النفط و كركوك يهددان حكومة السوداني بالانهيار

بتاريخ 30 آب / أغسطس من هذا العام تعرض حقل خورمور الغازي في قضاء جمجمال في السليمانية لقصف صاروخي. و هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها هذا الحقل بهجمات صاروخية فقد تم استهدافه بثلاث هجمات صاروخية في حزيران العام الماضي و بعدها بخمس هجمات كان آخرها أفي كانون الثاني / يناير من هذا العام. و قبل ذلك استهدفت مناطق في أربيل بعدة هجمات صاروخية في آذار/ مارس من العام الماضي دون أن يتبناها أي طرف.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه من هو الذي يستهدف هذه الحقول الغازية و لماذا؟
يعتبر حقل خورمور من أكبر حقول الغاز في العراق و تستثمره كل من شركة بيرل بتروليوم و دانة غاز أبوظبي و نفط الهلال ، حيث تهدف الخطة الرامية لتوسعته إلى مضاعفة الإنتاج من 450 مليون قدم مكعب يومياً إلى مليار قدم مكعب في السنوات القادمة. و سيزيد ذلك من قدرات العراق على استخدام تلك الكميات محلياً و في توليد الكهرباء ما يقلل من فاتورة استيراد الغاز من إيران.
و حال توفير الاستثمارات الكافية فإن احتياطيات حقل خورمور البالغة 16 ترليون قدم مكعب ستمكن إقليم كردستان من تصدير أكثر من 500 مليون قدم مكعب يومياً يرجح أن تكون دول الاتحاد الأوروبي السوق المناسب لاستيرادها.
و يعتبر الاستقرار الأمني من أهم العوامل الجاذبة للاستثمارات و لشركات الطاقة العاملة في توسعة حقول الغاز كحقل خورمور. لذا فإن استهداف حقول الغاز في كردستان يؤثر سلباً على الشركات المستثمرة فيها.
فخلال العام الماضي و بسبب الهجمات الصاروخية التي تعرض لها حقل خورمور أوقفت شركتان تركيتان ، هما هافاتك وبيلتك و شركة إكستران الأمريكية أنشطتها ما أدى لتعليق العمل بالمشروع.  و يصب ذلك في مصلحة الدول التي لا ترغب بأن يلعب العراق دوراً مهماً في مجال تصدير الغاز أو الاكتفاء في مجال الطاقة.
و يعول الاتحاد الأوروبي على غاز الشرق الأوسط كأحد أهم مصادر الطاقة البديلة عن الغاز الروسي لكنه يصطدم بعدم الاستقرار السياسي و الأمني في بعض دوله ما يشكل عامل ضغط في هذه الفترة الحرجة من الحرب في أوكرانيا أو التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي.

أزمة كركوك

فالاستقرار السياسي في العراق بشكل عام و في إقليم كردستان على وجه الخصوص له دور مهم بهذا الخصوص. إلا أن التوتر الذي حدث مؤخراً في كركوك و أودى بحياة عدد من الشبان الكرد أشعل فتيل أزمة ما تزال آثارها تهدد استقرار العراق برمته.
فقد منع عدد من المعتصمين المدعومين من فصائل مسلحة تدعي انتماءها إلى هيئة الحشد الشعبي ، قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني من العودة لمقر قيادة العمليات المشتركة في كركوك.
 و يتعارض ذلك مع المادة 13 من المنهاج الحكومي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التي تعطي الحق لجميع الأحزاب الكردستانية بممارسة نشاطاتها السياسية في كل من نينوى و كركوك و ديالى و صلاح الدين و إخلاء مقرات الأحزاب التي تم إشغالها من قبل الآخرين.  كما أنه يتناقض مع الاتفاق السياسي بين السوداني و كل من الكرد و السنة و الذي انتهى بتشكيل “تحالف إدارة الدولة”.
ثم جاء قرار المحكمة الاتحادية العليا القاضي بإيقاف إجراءات تسليم مقر قيادة العمليات المشتركة في كركوك إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني ليشكل ذلك عائقاً جديداً أمام تنفيذ السوداني لتعهداته.

أزمة النفط و الرواتب

استتبع ذلك أزمة جديدة كان محورها قطع رواتب موظفي إقليم كردستان. فقد أقر مجلس الورزاء العراقي في سبتمبر الحالي بتقديم قرض للإقليم بنحو 500 مليار دينار ( 380 مليون دولار) عن الفترة من أيلول / سبتمبر إلى تشرين الثاني / نوفمبر. إلا أن الإقليم يطالب ان يضاف لتلك الفترة رواتب كل من شهري تموز / يوليو و آب / اغسطس أيضاً، معتبراً أن ما تقوم به بغداد هو سياسة تجويع تمارس بحق شعب كردستان.
من جانبها ، ذكرت بغداد أن الأموال التي في ذمة الإقليم هي ثلاثة أضعاف حصته حسب الإنفاق الفعلي للدولة مبينة على لسان المتحدث الرسمي باسمها أن كردستان لم تسلم إيراداتها النفطية و غير النفطية بموجب قانون الموازنة.
و يثير توقيت القرارات الصادرة من بغداد الكثير من علامات الاستفهام. فمنهاج حكومة السوداني يدعو إلى تجنب أية إجراءات تصعيدية مع الإقليم و التريث بخصوص الشركات النفطية العاملة فيه لتجنب الإضرار بالاقتصاد الوطني.
إلا أن هذا التغير المفاجىء في الموقف الحكومي قد يزيد من التأثير السلبي على صناعة النفط في الإقليم. فقد توقفت معظم شركات النفط الأجنبية هناك عن العمل ما أدى لتراجع إيرادات الإقليم المالية.
يأتي هذا في وقت ما تزال تركيا متمسكة فيه بموقفها الخاص بضرورة إصلاح أنبوب النفط العراقي التركي قبل السماح بتصدير نفط كردستان.

أزمة مع دول الخليج العربي

و برزت أزمة خور عبد الله مع الكويت لتزيد من الضغط على حكومة السوداني. فبعد أن صوت البرلمان العراقي على اتفاقية تصديق الملاحة البحرية بين العراق و الكويت في العام 2013 ، قضت المحكمة الاتحادية العليا في خطوة فجائية بعدم دستورية هذا القانون.
و قد استدعى ذلك مجلس التعاون الخليجي إلى توجيه دعوة إلى العراق لاحترام سيادة الكويت وعدم انتهاك القرارات الدولية ولاسيما قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لعام 1993، حول ترسيم الحدود بين البلدين واتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله والمودعة لدى الأمم المتحدة.
و يشكل هذا الأمر إحراجاً لحكومة السوداني التي تسعى لاستقطاب الاستثمارات الخليجية خاصة في مجال الطاقة من خلال الربط الكهربائي و الاستثمار في الغاز و الطاقة النظيفة. كما أنه يشكل عاملاً مقلقاً لاستقرار العراق و نهاية لشهر العسل الذي عاشته حكومة السوداني منذ أشهر.

خطر الانهيار

كما يثير تتابع هذه الأزمات المفاجئة سؤالاً جوهرياً حول ارتباطها ببعضها و علاقتها بمستقبل قطاع الطاقة في العراق. فقد حدد العراق هدفاً للاكتفاء من استيراد الغاز من إيران بحدود ثلاث سنوات. ما يعني أن العراق سيكون قادراً على توفير مبالغ كبيرة كانت تنفق على استيراد الغاز لصالح الاقتصاد و التنمية. كما يساعد ذلك في تقوية موقف العراق في خارطة العلاقات الاقتصادية و السياسية الدولية. و بذات الدرجة يمكن لإقليم كردستان من توفير كميات كبيرة من الغاز يستهلك منها جزء محلياً في حين يتم تصدير الجزء المتبقي للأسواق الأوروبية، الأمر الذي سيعزز مكانة الإقليم دولياً و على صعيد الاقتصاد العالمي.
تحول العراق إلى اقتصاد جاذب للاستثمارات و مصدر مهم للغاز يحقق إيرادات مالية ضخمة هو أمر يثير المخاوف من الدول الإقليمية المجاورة كإيران و تركيا اللتان تخشيان أن يكون ذلك على حسابهما. و قد تخدم الأزمات المتكررة التي تعصف بالعراق تلك الدول لتبقى في موقع أقوى و تحقق مكاسب تنافسية مستقبلاً.
و إذا ما استمرت هذه الأزمات بالتعمق فإن حكومة السوداني ستواجه خطر الإنهيار. فالإقليم لن يحتمل أن تقطع رواتب موظفيه ليكون في مواجهة مواطني كردستان أو أن يستمر النفط متوقفاً عن التصدير مع خسارة الشركات الأجنبية العاملية فيها.
و كذلك السنة الذي ينتظرون عودة نازحيهم عن المناطق التي أقر بإعادتهم إليها المنهاج الحكومي للسيد السوداني.
كما أن الموقف الخليجي الداعم لحكومة السوداني لن يبق على حاله إذا ما استمر الخلاف الحدودي مع الكويت قائماً.
لذا فإن حكومة السوداني مطالبة باتخاذ إجراءات تعيد الثقة المفقودة مع إقليم كردستان و تنفذ وعودها بخصوص عودة النازحين إلى مناطقهم و تسوي المشكلات العالقة مع الكويت. و بغير ذلك فإن النفط و كركوك سيطيحان بحكومته و سينسحب كل من الكرد و السنة منها بالإضافة لخسارته دعم دول مجلس التعاون الخليجي و استثماراته في العراق.
التعاليق: 0

لن يتم نشر بريدك الالكتروني, الحقول المشار اليها بـ * مطلوبة.