هل تصدر أذربيجان الغاز إلى العراق عبر إيران؟

أهمية العراق بالنسبة لأذربيجان

تنظر أذربيجان إلى العراق باهتمام بالغ باعتباره ممراً مهماً للوصول إلى الخليج العربي، لذا تسعى باكو للاستثمار في البنية التحتية للنقل في العراق و خصوصاً طريق التنمية الواصل بين ميناء الفاو في البصرة جنوباً و الحدود مع تركيا شمالاً.
كما تنظر أذربيجان باهتمام بالغ لطريق شمال جنوب الواصل بين روسيا شمالاً و الموانىء الإيرانية جنوباً مع وجود خط للسكك الحديدية يصل بين إيران و العراق كأحد خيارات باكو لإيصال سلعها إلى دول الخليج العربي و منها إلى مناطق مختلفة من العالم.
و ارتفعت مؤخراً وتيرة الزيارات المتبادلة بين مسؤولي كل من البلدين، ما أسفر عن توقيع عدد من التفاهمات في مجالات السياحة و النقل و التنمية و العمل.
كما يدور حديث في أذربيجان اليوم عن دور مهم للعراق في مشاريع إيصال الغاز إلى أوروبا. فقد أعلن السفير الاذربيجاني في العراق، نصير ممدودڤ، عن رغبة بلاده بتصدير الغاز إلى العراق ما أثار العديد من التساؤلات عن كيفية تحقيق ذلك و الكميات و السعر و الوقت اللازم.

غاز أذربيجان إلى أوروبا

تمتلك أذربيجان احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي تبلغ 2.6 ترليون متر مكعب حيث وصل انتاجها في العام الماضي 2023 إلى 44 مليار متر مكعب.
و بحسب وزير الطاقة بيرفيز شهبازوف تستطيع أذربيجان أن ترفع من حجم الغاز المصدر إلى أوروبا عبر خط انابيب TANAP العابر للأناضول من 16 مليار إلى 31 مليار متر مكعب، ومن 10 مليارات إلى 20 مليار متر مكعب عبر خط أنابيب TAP العابر للبحر الأدرياتيكي.

إلا أن أذربيجان تعاني من ارتفاع كبير في الاستهلاك المحلي حيث ارتفع في العام الماضي بمقدار 25% عما كان عليه في العام 2022. كما أن زيادة الطلب من جورجيا ، حال استغنائها عن الواردات الروسية، قد يضغط على الكميات التي تصل إلى السوق الأوروبية.
و تعول أوروبا على أذربيجان كأحد البدائل المهمة للحصول على الغاز بعد توقف صادرات الغاز الروسية. ففي العام 2021 تمكنت أذربيجان من تصدير نحو 8 مليارات متر مكعب من الغاز إلى أوروبا مع توقع بوصولها إلى نحو 12 مليار متر مكعب في العام 2023.
إلا أن هذا الرقم ما يزال بعيداً عن الهدف المحدد في مذكرة التفاهم الموقعة بين كل من  أذربيجان و الاتحاد الأوروبي صيف 2022 و التي نصت على رفع صادرات الغاز إلى أوروبا من 10 مليار إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا بحلول عام 2027. لذا فقد عبر الأوروبيين من جانبهم عن مخاوفهم من عدم تمكن أذربيجان من تحقيق ذلك.
و لتلبية الطلب المتزايد من جورجيا و تركيا و أوروبا اضطرت أذربيجان لاستيراد ما بين 1.5- 2 مليار متر مكعب سنوياً من إيران بموجب اتفاق مقايضة مع كل من تركمانستان و إيران حيث تحصل إيران على الغاز من تركمانستان وتسلم كمية مماثلة إلى أذربيجان.

الحاجة لاستثمارات ضخمة

و لزيادة صادرات الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا تعمل أذربيجان على توسيع سعة أنابيب تصدير الغاز من تركمانستان لأذربيجان عبر إيران مع إمكانية استخدام هذه السعة الإضافية لتزويد تركيا بالغاز. و في حال تم ذلك فإنه سيوفر قرابة 9 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الأذربيجاني ليتم تصديرها إلى أوروبا.
و يشير هذا الأمر بوضوح إلى حاجة أذربيجان لاستثمارات ضخمة لتطوير حقولها الغازية حيث تجري حالياً عمليات توسعة لزيادة القدرة الانتاجية لعدد من حقول الغاز كحقل شاه دنيز ، و هو أكبر حقول الغاز في أذربيجان للوصول إلى 26 مليار متر مكعب سنوياً ، بالإضافة للاكتشافات الجديدة في حقول شفق- آسمان و أبشيرون. كما يعاد حقن الغاز في حقول جيراق-جونيشلي و كذلك تطوير حقل أوميد ما يرفع القدرة التصديرية للبلاد من الغاز.
و لتلبية متطلبات تطوير تلك الحقول وضعت باكو خططاً لزيادة انتاجها من الغاز بالإضافة إلى تقليل استهلاكه محلياً ما سيولد فائضاً تسعى أذربيجان لتصديره إلى السوق العالمية. كما أبرمت عدداً من الاتفاقيات مع المستثمرين الأوروبيين لشراء الغازعندما يكون متاحا و طالبت كبار المشترين بالتعاقد على الكميات قبل ان يتم انتاجها لحاجتها للأموال في زيادة الانتاج.
من جانبهم كان المشترون الأوروبيين بطيئين في الالتزام بشراء الغاز الذي وعدت أذربيجان بروكسل بتزويدها به بحلول عام 2027. و يعتقد أن توفر مخزونات عالية من الغاز في أوروبا و بناء الاتحاد الأوروبي للعديد من الموانىء لاستقبال الغاز المسال كان السبب في التباطؤ الأوروبي في تقديم عروض الشراء.

العراق يستورد غاز أذربيجان

و مع ارتفاع صادرات أذربيجان من الغاز العام الماضي إلى 22 مليار متر مكعب مع تباطؤ الطلب الأوروبي بدأت باكو بالبحث عن أسواق بديلة. و هنا برز العراق كدولة مهمة سواء على صعيد التجارة و النقل أو على صعيد الطاقة.
و لان جغرافية خطوط الغاز التي تصل بين أذربيجان و العراق غير موجودة فإنه من المرجح ان يتم الأمرعبر اتفاق مقايضة مع ايران يشبه اتفاق مقايضة تركمانستان للغاز مع ايران لايصاله الى العراق لاحقاً. هذا الخيار يضمن لأذربيجان إيرادات سريعة تساهم في مزيد من الاستثمارات لتطوير حقولها و زيادة انتاجها.
بالنسبة لايران فرغم امتلاكها حقولا كبيرة للغاز الطبيعي في الجنوب فإنها تحتاج لاستيراد الغاز لتوزيعه في محافظاتها الشمالية، خصوصاً خلال فصل الشتاء حيث يزداد الطلب محلياً. و بالتالي سيكون من السهولة بمكان إيصال الغاز الإيراني للعراق جنوباً مقابل ان تمنح اذربيجان الغاز لايران شمالاً.
و في الوقت الذي يحتاج فيه العراق إلى 20 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز لسد حاجاته المحلية من الطلب فإنه يستورد من إيران ما يزيد عن 9 مليار متر مكعب سنوياً. لكن ذلك عرض العراق لخطر العقوبات المفروضة على إيران عدة مرات. لذا يتم منح العراق استثناءات تجنبه التبعات الاقتصادية جراء شرائه الغاز الإيراني إلى أن يتمكن من تطوير قطاع الطاقة و توفير بدائل مناسبة.

هل يستغني العراق عن استيراد الغاز من إيران؟

و مؤخراً عقد العراق و تركمانستان اتفاقاً مدته خمس سنوات لمقايضة الغاز مع إيران حيث يحصل بموجه العراق على قرابة 9 مليار متر مكعب من الغاز الإيراني مقابل حصول إيران على ذات الكميات من الغاز من تركمانستان و بذلك لا يكون العراق مضظراً لدفع الاموال لإيران.
لكن هذه الكميات لا تكفي لإشباع الاستهلاك المحلي للطاقة في العراق خصوصاً مع زيادة النمو السكاني و التوسع في الاقتصاد. لذا تبرز أهمية تصدير الغاز من أذربيجان و الذي قد يكون ايضاً وفق صفقة مقايضة مع إيران.
و تثير اتفاقات المقايضة هذه العديد من التساؤلات عن الفروقات السعرية بين ما يشتريه العراق من الغاز الإيراني و ما تنفقه إيران للحصول على الغاز سواء أكان من تركمانستان أو أذربيجان.
فقد صرح وزير النفط الإيراني جواد أوجي في وقت سابق من العام الماضي الى حصول إيران على أرباح من عقد مقايضة الغاز مع تركمانستان تصل إلى 2 مليار دولار، حيث تشتري تلك الكميات بسعر رخيص لتوفير احتياجات محافظاتها الشمالية والشمالية الشرقية، لتقوم طهران لاحقاً بتصدير فائض الغاز الى دول الجوار بسعر أعلى.
و في حال تم التوصل لاتفاق مقايضة بين العراق و أذربيجان عبر إيران فإن ذلك يحقق للعراق استقراراً في تدفقات الغاز إلى اراضيه دون الانقطاعات التي تحدث صيفاً جراء ارتفاع الطلب من داخل إيران.
و يتوقع أن تبلغ كميات الغاز التي يشملها اتفاق المقايضة نحو 6 مليارات متر مكعب سنوياً و لثلاث سنوات تكفي لإنهاء أعمال توسعة أنبوب TAP الذي سيزيد من كميات الغاز التي تحصل عليها أوروبا من غاز أذربيجان.
كما أن هذا الوقت يكفي لتطوير العراق العديد من مشاريع الغاز الطبيعي و استثمار الغاز المصاحب حيث يتوقع أن يصل العراق لمرحلة تصدير 28 مليون متر مكعب يومياً من الغاز في السنوات الخمس المقبلة، لكنه مع ذلك سيكون في حاجة لضمان استمرار شحنات الغاز المصدرة إليه.
التعاليق: 0

لن يتم نشر بريدك الالكتروني, الحقول المشار اليها بـ * مطلوبة.