هل خفض العراق حصته في أوبك+ على حساب كردستان؟
تمديد جديد لخفض الانتاج
اعلن تحالف أوبك+ في اجتماعه الذي انعقد في 30 كانون الأول / نوفمبر 2023 عن خفض طوعي لانتاج النفط يصل إلى 2.2 مليون برميل يومياً حتى الربع الأول من العام القادم. و بحسب البيان الصادر عن أوبك+ فإن هذه التخفيضات الطوعية التي تهدف لتحقيق الاستقرار و التوازن في أسواق النفط سيتم إعادتها تدريجياً حسب ظروف السوق.
و قد مددت السعودية الخفض الذي أعلنت عن بدئه في حزيران يوليو الماضي بمقدار مليون برميل يومياً إلى نهاية آذار مارس من العام المقبل 2024. و يضاف ذلك إلى الخفض السابق للمملكة و البالغ 500 ألف برميل يومياً و الذي يمتد لنهاية ديسمبر من هذا العام.
أما روسيا فقد خفضت 300 الف برميل يومياً من النفط الخام و 200 ألف برميل يومياً من المنتجات المكررة إلى نهاية الربع الأول من العام القادم.
و يأتي العراق ثالثاً بخفض طوعي يبلغ 220 ألف برميل يومياً حتى نهاية آذار مارس من العام القادم يضاف إلى الخفض السابق الذي تقرر بـ 211 الف برميل يومياً لنهاية ديسمبر من هذا العام.
يلي ذلك كل من الإمارات بخفض 163 ألف برميل يومياً و من ثم الكويت بـ 135 ألف برميل يومياً بعدها كازاخستان بـ 82 ألف برميل يومياً ثم الجزائر بخفض يبلغ 51 الف برميل يومياً فسلطنة عمان بـ 42 ألف برميل يومياً.
و لم يكن القرار ليساعد في رفع أسعار النفط التي عانت من تراجعات واضحة بلغت 5.2 بالمئة خلال نوفمبر الماضي حيث تراوحت الأسعار عند مستوى الثمانين دولاراً للبرميل.
مرونة الاقتصاد العالمي محفوفة بالمخاطر
و رغم التوتر الكبير الذي شهده الشرق الأوسط بسبب حرب غزة و المخاوف من اتساع دائرة الصراع إلا أن أسعار النفط لم تشهد ارتفاعات كبيرة.
و يعزا ذلك لعدد من عوامل الضغط التي تمنع صعود الأسعار لمستويات التسعين دولاراً للبرميل. فما تزال المخاوف من تراجع حالة الاقتصاد العالمي متفوقة على المخاوف من انقطاع الإمدادات أو خفض الانتاج.
فقد خفضت منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية توقعاتها للاقتصاد العالمي من 3 بالمئة إلى 2.9 بالمئة لهاذ العام في حين أنها توقعت تباطؤ النمو لمستوى 2.7 بالمئة العام القادم. و رغم الصدمات الكبيرة التي عانى منها الاقتصاد العالمي كالوباء و حرب أوكرانيا إلا أن الاقتصاد العالمي أبدى مرونة كبيرة ما تزال محفوفة بالمخاطر.
و رغم بعض البيانات الجيدة للاقتصاد الصيني في شهر تشرين الثاني / أكتوبر الماضي كانتعاش النشاط الاقتصادي و نمو الانتاج الصناعي إلا أن البيانات الضعيفة للطلب على الخام من قبل شركات التكرير الصينية لشهر كانون الأول / ديسمبر عمقت المخاوف المتعلقة بحالة الاقتصاد العالمي.
و قد زاد من حالة اللايقين في أسواق النفط الغموض الذي يحيط بقرار الفيدرالي الأمريكي الخاص بأسعار الفائدة. فتباطؤ الاقتصادي العالمي و ارتفاع التضخم قد يجبران الفيدرالي على الرضوخ لمزيد من الرفع في أسعار الفائدة. و في حال حدث ذلك فإن ذلك سيشكل مزيداً من الضغط على أسعار النفط.
و قد شهدت الأسواق الأمريكية في شهر كانون الأول / نوفمبر الحالي تراجعاً في ثقة المستهلكين للشهر الرابع على التوالي حيث ساهم ارتفاع التضخم في التأثير سلباً على توقعات الأسر بخصوص التضخم.
و تلجأ إدارة الرئيس بايدن لمخزونات الخام الأمريكية في محاولة منها للتغلب على الأسعار حيث انخفضت هذه المخزونات بمقدار 817 ألف برميل خلال الأسبوع الرابع من شهر كانون الأول / نوفمبر. كما خفضت شركات الطاقة الأمريكية عدد منصات النفط العاملة للأسبوع الثاني على التوالي إلى أدنى مستوى لها منذ يناير 2022.
تحالف أوبك+ متماسك و لكن…
هذه الحالة من الضعف في البيانات الاقتصادية مع المخاوف من تراجع زخم النمو ضغطت على تحالف أوبك+ للاستمرار باتفاق خفض الانتاج لا سيما من قبل كل من السعودية و روسيا. و قد تطلب هذا الأمر التزاماً و تفهماً من قبل بقية الأعضاء حتى يكون لقرار الخفض أثر واضح على الأسواق.
لكن هذا الإجماع كسرته أنجولا التي عبرت عن رفضها له معلنة أنها ستنتج عند مستويات قد تصل إلى 1.18 مليون برميل يومياً و هي أعلى من الحصص التي حددها اتفاق أوبك بـ 1.11 مليون برميل يومياً.
و أثار هذا الموقف العديد من التساؤلات حول مصير اتفاق أوبك+ في حال تم تمديد الاتفاق لمنتصف العام القادم وسط تراجع إيرادات بعض الدول و عدم قدرتها على استيعاب أعباء التضخم المرتفعة.
و بلغ انتاج العراق في أكتوبر من العام الماضي 2022 ما قدره 4.65 مليون برميل ، أما اليوم و بعد اتفاق خفض الانتاج فإن هذا الرقم قد يصل إلى 4 ملايين برميل يومياً في كانون الثاني يناير من العام القادم.
و يعتبر خفض الانتاج النفطي في العراق وفق الأوضاع الحالية لسوق النفط العالمية بمثابة خسارة في الإيرادات المالية. فأسعار النفط لم ترتفع بعد ذلك القرار بالمستوى المطلوب و الذي يحقق للعراق ما يطمح إليه لتغطية عجز الموازنة المثقلة بالنفقات.
هل استغل العراق توقف صادرات كردستان النفطية؟
و يتزامن قرار العراق بالخفض الطوعي للانتاج مع تراجع في انتاج النفط في إقليم كردستان. فقد أدى توقف تصدير النفط عبر الموانىء التركية إلى خسارة العراق ما يزيد عن ثمانية مليارات دولار و انخفاض في معدلات الانتاج.
لذا يحاول العراق أن يحافظ على معدلات انتاجه للنفط من حقوله جنوبي البلاد محملاً خفض الانتاج على التراجع الحاصل من انتاج كردستان.
فقد تراجع انتاج النفط في حقل خورمالة في غضون شهرين فقط بمعدل 60% حيث تراوح الانتاج عند حدود 135 ألف برميل يومياً في آذار/ مارس الماضي إلى 50 ألف برميل يومياً أواخر أيار/ مايو الماضي. في حين أن العراق زاد من انتاجه النفطي خلال نفس الفترة بمقدار 11 ألف برميل يومياً.
و رغم هذه الزيادة فإن ما انتجه العراق في تلك الفترة كان أقل مما قرر له في اتفاق أوبك+. فقد وصل انتاج العراق من النفط حينها إلى 3.955 مليون برميل يومياً في حين أن الحصة المحددة في الاتفاق تبلغ 4.430 مليون برميل يومياً بفارق 475 ألف برميل يومياً.
و يقترب هذا الرقم من أرقام صادرات كردستان النفطية التي تتراوح بين 400-450 ألف برميل يومياً و التي تمتنع تركيا عن تصديرها عبر موانئها.
و قد يفسر هذا الأمر تغير موقف العراق من الخفض الطوعي للانتاج. فالعراق الذي قرر الالتزام باتفاق خفض الانتاج االيوم ، كان قد طالب في نوفمبر من العام الماضي بإعفائه من ذلك معللاً الأمر بالحاجة للإيرادات المالية التي تغطي نفقات إعادة إعمار البلاد.
و رغم المحاولات العديدة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في الوصول إلى حل لأزمة صادرات كردستان النفطية سواء عبر التفاوض مع الحكومة التركية و حكومة كردستان بالإضافة لشركات النفط الاجنبية العاملة في الإقليم إلا أن هناك من يشكك في جدية هذه التحركات و استغلالها عامل الوقت لتحقيق مكاسب سياسية معينة.
ضغط دولي لإقرار قانون النفط و الغاز
هذا الأمر تستغله أنقرة أيضاً فوزارة الطاقة التركية التي حملت الزلزال الذي ضرب جنوب شرقي البلاد مسؤولية توقف صادرات نفط كردستان تمارس ضغطاً آخر على كل من بغداد و أربيل لإقرار قانون للنفط و الغاز ينظم العلاقة بين الطرفين. و تخشى أنقرة من تكرار سيناريو الغرامات التي حكمت بها محكمة باريس الدولية و التي قضت بأن تدفع تركيا 1.5 مليار دولار جراء تصديرها نفط كردستان دون موافقة الحكومة في بغداد.
و يعد التوافق بين بغداد و أربيل أمراً مهماً لصناعة النفط في العراق لكنه يعتبر ضمانة لبقية الدول الأعضاء في أوبك وتحالف أوبك+ لتحقيق الاستقرار في دولة تعتبر من أكبر منتجي النفط في العالم. بالإضافة إلى رغبة العديد من هذه الدول في المساهمة بتطوير قطاع الطاقة في العراق و الدخول في مشاريع مشتركة.
من جانبه دعا رئيس حكومة كردستان مسرور بارزاني إلى صياغة قانون اتحادي متطور يستند إلى الدستور لمعالجة قضية النفط و الغاز ليتسنى للإقليم إعادة انتاج النفط و تصديره.
و يشير ذلك بوضوح إلى أهمية هذا الأمر في تطوير قطاع الطاقة في العراق و تشجيع الشركات الاجنبية على الاستثمار فيه.
و خلال الأسابيع القليلة الماضية، أجرت وزارة النفط العراقية محادثات مع رابطة صناعة النفط في اقليم كردستان APIKUR لتحديد طبيعة و شكل العقود المبرمة معها و مع حكومة الأقليم في محاولة لصياغة عقود تلائم كل الأطراف و تحفظ حقوقها.
أزمة تولد أخرى
و يؤثر توقف صادرات كردستان النفطية في موازنة العراق الاتحادية و التي صيغ أحد بنودها على أساس تصدير ما لا يقل عن 400 ألف برميل يومياً من الإقليم. و يساهم هذا الأمر في الضغط على موازنة العراق لهذا العام 2023 و التي لم تطلق أموالها رغم اقتراب السنة على نهايتها.
و قد أدى هذا الأمر إلى ما يعرف بأزمة رواتب موظفي الإقليم حيث يحاول الطرفان التوصل لصيغة مشتركة يتم بموجبها صرف تلك الرواتب.
و يؤثر ذلك على مستقبل الاقتصاد العراقي و قدرته على تجاوز حالة الركود التي يعاني منها. فقد تراجع الدينار العراقي أمام الدولار بأكثر من ثلث قيمته في اقل من عامين في حين يعاني العديد من المستثمرين من وضع غير مستقر فيما يتعلق باتخاذ القرارات وسط تذبذب أسعار الصرف و أزمة الثقة في القطاع المصرفي.
لذا فإن الاهتمام باستقرار قطاع الطاقة باعتباره المصدر المالي الأكبر في موازنة البلاد يستوجب توافقاً و تفاهماً بين جميع الأطراف المشاركة في انناج الطاقة. فالقدرات الانتاجية العالية للإقليم سواء ما يتعلق بحقول النفط أو ما ينتظره من مستقبل مهم على صعيد الغاز الطبيعي سيكون لها دور مهم في تحويل العراق إلى بقعة جاذبة للاستثمارات و داعمة للتنمية.
مرتبط
مواضيع مرتبطة