الصين قد تستورد عمالة مع اتجاهها نحو الشيخوخة

الصين على عتبة تغير اقتصادي واجتماعي كبير قد ينعكس على توجهاتها السياسية في السنوات المقبلة. فصعود الطبقة المتوسطة وتحسن مستواها الاقتصادي سيكون بداية لتشكل بيئة اجتماعية جديدة في الصين الشيوعية.

أكّد تقرير صادر في العاصمة البريطانية لندن أن الصين قد تضطر في السنوات القادمة إلى استيراد العمالة بعد أن كانت ملجأً للصناعات التي تبحث عن العمالة الرخيصة.

وأشار التقرير الصادر عن “المركز العالمي للدراسات التنموية” إلى أن ديموغرافية المجتمع الصيني المتجهة نحو الشيخوخة بالتزامن مع ظاهرة ارتفاع الأجور يشكلان أحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني في العقود الثلاثة القادمة. فمتوسط عمر الفرد في الصين اليوم هو 38 عاما في حين أن أعداد الصينيين الذين تتراوح أعمارهم بين (15-24) عاماً بلغت في عام 2010 قرابة 225 مليون نسمة لكنها ستنخفض بمقدار الثلث في عام 2025 لتصل إلى 164 مليون شخصاً.

وبحسب المركز فإن أعداد الصينيين ممن هم في سن العمل قد تراجعت في العام الماضي 2012 بمقدار 4 ملايين شخص ليصل الرقم إلى قرابة 940 مليون شخصاً. أما الصينيون الذين تتجاوز أعمارهم الـ65 عاماً فيشكلون اليوم قرابة 15 في المئة من مجموع السكان، لكن بعد أربعة عقود سترتفع أعدادهم إلى أكثر من 25 في المئة. وقد ارتفع العمر المتوقع للفرد من 43 عاماً في عام 1960 إلى 73 عاماً في عام 2010. لذا فإن جيلاً من الشباب في سن العمل سيكون غير متفرغ للاهتمام بجيل آخر من كبار السن، وسيكون لزاما على الدولة الصينية تأمين رعاية صحية كافية لكل الصينيين وهو ما يلقي بثقله على الموازنة العامة للدولة.

ويؤكد “المركز العالمي للدراسات التنموية” أن التحدي الآخر الذي يواجه الاقتصاد الصيني مستقبلاً، يتمثل في مطالبة الشباب في الصين بأجور أعلى من ذي قبل ورفض العمل لمدة 12 ساعة بدون تعويض عن ساعات العمل الإضافية. وقد بدأ هذا الأمر يهدد العديد من الصناعات، فقد ارتفعت الأجور بمقدار 12.5 في المئة سنوياً في بعض المناطق الصينية خلال الفترة من 2006-2010 في حين أن الأجور في مقاطعة قوانغدونغ الجنوبية على سبيل المثال قد ارتفعت إلى 14 في المئة منذ شهر مايو العام الماضي.

ارتفاع الأجور يهدد الصادرات

حذر التقرير من أن تؤدي ظاهرة ارتفاع الأجور بنسب تفوق القدرة التنافسية للشركات وتتجاوز أرقام الإنتاج، إلى مغادرة العديد من الشركات والمصانع الأجنبية للصين وأن ينعكس ذلك سلباً على الصادرات الصينية التي زادت بمعدل 25 في المئة في يناير من هذا العام عما كانت عليه في العام الماضي. لكن التقرير أشار إلى أن اعتماد الصين على عامل المرونة في تغيير خطوط الانتاج وتعديلها وعلى قدرة العامل الصيني في التعلم بوقت أقل من نظرائه الآسيويين قد يعوض إلى حد ما النقص الحاصل في العمالة المنحفضة الأجر.

وأوضح المركز أن الصين على عتبة تغير اقتصادي واجتماعي كبير قد ينعكس على توجهاتها السياسية في السنوات المقبلة. فصعود الطبقة المتوسطة وتحسن مستواها الاقتصادي سيكون بداية لتشكل بيئة اجتماعية جديدة في الصين الشيوعية. فالجو العام للسياسة الصينية الذي يتسم بمركزية القرار وضعف المشاركة الديموقراطية في الحياة العامة لن يستمر طويلاً، خاصة مع رغبة الصين في الوصول إلى أسواق أكبر وزيادة تأثيرها في القرار العالمي. بمعنى آخر فإن رغبة الصين في تعزيز الطلب المحلي تجبرها على إعطاء قدر أكبر من الحريات الاقتصادية والسياسية.

فقاعات اقتصادية

وتوقع “المركز العالمي” أن يبقى الاقتصاد الصيني عند مستويات مقاربة لما كان عليه في العام الماضي 2012 أي انه سيبقى مقارباً لـ7 في المئة، وذلك على الرغم من أن مجمل التجارة الصينية تجاوزت أرقام التجارة الأميركية بمعدل 1.31 في المئة في العام 2012. وبحسب المركز فإن ارتفاع نسبة الدين العام بالنسبة لمجمل الناتج المحلي خلال السنوات العشر الماضية بمقدار 84 في المئة وزيادة الديون التجارية بمعدل 27 في المئة نقطة مئوية خلال السنوات السبع الماضية لا تعكس تعافياً حقيقياً في الاقتصاد الصيني. فمعظم هذه الديون لم يذهب إلى القطاع الخاص وإنما إلى شركات مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالدولة وشركاتها الحكومية.

إصلاحات جديدة

ويؤكد المركز أنه على الرغم من ارتفاع الإيرادات الحكومية بمقدار 12.8 في المئة العام الماضي فإن هذه الزيادة هي نصف تلك التي تحققت في عام 2011، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ في نسبة المشاريع المنجزة في العام 2012. وفي الوقت الذي تطمح فيه الصين لزيادة الاستثمارات الأجنبية بمعدل 120 مليار دولار سنوياً تتوجه رؤوس الأموال بنسبة أكبر إلى أسواق آسيوية مجاورة أقل كلفة كفيتنام وإندونيسيا.

كما انخفضت الاستثمارات الأجنبية في الصين بمعدل 7.3 في المئة عن العام الماضي لتصل إلى 9.3 مليارات دولار في شهر يناير من عام 2013. وللتغلب على هذه المعضلة أصدرت سلطة الحزب الشيوعي الجديدة توجيهات تقضي بتعديل بعض القوانين الخاصة باستقطاب الاستثمارات الأجنبية عن طريق توسيع قاعدة رؤوس الأموال المتدفقة إلى سوق الأوراق المالية من دون أن تقتصر على سماسرة الأوراق المالية وصناديق الاستثمار.

كما تم فرض رقابة أكبر على ديون الحكومات المحلية والسماح بإنشاء شركات أصول تشتري الديون من المؤسسات المالية المتعثرة.

واشتملت الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة أيضاً فرض إصلاحات ضريبية جديدة تضاعف الدخل القومي للبلاد وتضمين أرقام الدين المحلي في بيانات الموازنة العامة للدولة بهدف تحسين النظام المحاسبي لإدارة الدين، فالتوقعات تشير إلى ارتفاع العجز في الموازنة العامة للبلاد بمقدار 191 مليار دولار أي بزيادة قدرها 50 في المئة.

هاجس الطاقة

تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية تطرق إلى محاولات الصين خفض نفقاتها والحد منها خصوصاً تلك المتعلقة بفاتورة الطاقة. فالصين التي ترتفع وارداتها من النفط بمقدار ثلاث نقاط مئوية سنوياً، تحاول الحد من اعتمادها على إمدادات النفط الخارجية بنسبة لا تتجاوزالـ61 في المئة، لكن بحسب المركز فقد تجاوز حجم واردات الصين من النفط الخام في عام 2012 حاجز 270 مليون طن، بزيادة تصل إلى قرابة 7 في المئة عن النسبة المحددة. كما تنعكس التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط على ارتفاع أسعار برميل النفط عالمياً وهو ما يجبر الصين على رفع أسعار المحروقات كالبنزين ووقود الديزل.

المصدرAljarida
التعاليق: 0

لن يتم نشر بريدك الالكتروني, الحقول المشار اليها بـ * مطلوبة.