ماذا ينتظر العراق في 2024 ؟
تحاول حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن تحقق إنجازات و مشاريع مهمة تخرج البلاد من حالة الفوضى و التلكؤ في المشاريع التي عاشتها البلاد طيلة العقدين السابقين. و تبرز أمام هذه الحكومة العديد من التحديات في مقدمتها معالجة أزمة السكن في ظل ارتفاع معدلات النمو سكاني و معالجة ملف التصحر و الجفاف بالإضافة إلى تنويع الاقتصاد العراقي بعيداً عن النفط و جذب الاستثمارات الاجنبية بالإضافة إلى تحييد العراق عن الصراعات الدولية في ظل التوترات الإقليمية.
و قد صرح السوداني أن حكومته هي حكومة خدمات الأمر الذي يضعها أمام مسؤولية كبيرة للعمل على تحقيق ذلك. إلا أن تراجع قيمة الدينار العراقي في الأشهر الماضية أمام الدولار شكل إحراجاً كبيراً للسوداني رغم نصيحته للعراقيين بشراء الدينار. كما شكلت مسألة توقف صادرات كردستان النفطية تحدياً مهماً لتماسك حكومته و إبقاء تحالفه مع الكرد لضمان استمرار حكومته.
كما أضافت حرب غزة عبئاً جديداً على السوداني الذي كان عليه أن يضمن أمن البعثات الدبلوماسية و يمنع تعرضها لهجمات مسلحة و أن يبعد العراق عن التحول لساحة للصراع في ظل تعرض عدد من القواعد العسكرية الأمريكية لعدة هجمات صاروخية.
و تأتي مسألة التزام العراق كدولة نفطية بتعهداتها في خفض الانتاج ضمن اتفاق أوبك+ لتضيف مزيداً من الضغط على الاقتصاد العراقي في ظل تراجع نمو الاقتصاد العالمي و حالة اللايقين التي تسيطر على قطاعاته المختلفة.
و نستعرض في هذا التقرير جملة من هذه التحديات التي قد تشكل فرصاً مهمة للاقتصاد العراقي في 2024 أو قد تكون عقبة حقيقية أمام تطوره و تنويع مصادر دخله أهمها:
السيطرة على سعر الصرف
فقد شهد العام 2023 تراجعاً ملحوظاً في قيمة الدينار العراقي أمام الدولار وصل إلى مستويات قاربت 1700 دينار لكل دولار قبل أن يعود إلى التراجع إلى مستويات أقل و ذلك بعد منع الخزانة الأمريكية عدداً من المصارف العراقية من تداول الدولار.
و قد أدى ذلك إلى حالة من الركود في الأسواق العراقية خصوصاً بعد تطبيق البنك المركزي العراقي معايير ما يعرف باسم منصة الامتثال الإلكترونية و التي تحدد المستفيد النهائي من السلع المستوردة و تتطلب إجراءات دقيقة أدت لعزوف العديد من التجار عن استخدامها.
و حاول البنك المركزي العراقي بالتعاون مع الخزانة الأمريكية وضع بعض الحلول التي تعيد الثقة بالقطاع المصرفي العراقي و تزيد من علاقاتها مع المصارف الدولية بالإضافة لإجراءات تمنع تهريب الدولار بالإضافة لإنهاء لسحب النقدي بالدولار اعتباراً من العام القادم.
كما تم التوافق مع عدد من الدول على التعامل بعملاتها المحلية و تنويع سلة العملات فيما يتعلق بتجارة العراق الخارجية بالإضافة إلى منع التعامل بالدولار في السوق المحلية و تطبيق الدفع الإلكتروني في معظم الأسواق.
و تشكل هذه الإجراءات تحدياً حقيقياً للبنك المركزي العراقي في الحد من سوء استخدام احتياطيات العراق من العملة الصعبة في عمليات غسيل الأموال أو في تهرب إيران من العقوبات من جهة ، و قدرته على تنشيط السوق العراقية التي شهدت حالة من الركود الواضحة من جهة أخرى.
الانتقال إلى مرحلة الاقتصاد الرقمي
تحاول الحكومة العراقية زيادة الإيرادات الغير نفطية و مضاعفة مساهماتها في الاقتصاد الوطني من 10% إلى 20% و ذلك من خلال أتمتة عمل هيئات الجمارك و المنافذ الحدودية و الضريبة. كما تخطط إلى تفعيل نظام الجباية الإلكترونية و الدفع الإلكتروني لتقليل عمليات الفساد و السيطرة على البيانات و تقليل حالات التهرب.
و تعتبر هذه الخطوات تحدياً كبيراً فعملية التعامل الرقمي و التخلي عن التعامل الورقي تحتاج إلى تنسيق كبير بين المؤسسات و الوزارات المعنية و تدريب جيد لموظفيها. كما يتطلب الأمر توفير شبكات انترنت آمنة يعتمد عليها في إيصال البيانات و نقلها بكفاءة عالية مع الحفاظ على سلامتها.
أما التحدي الأهم فيكمن في توعية العراقيين في كل من المدن و الأرياف بأهمية هذه الخطوة و تشجيعهم عليها خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع القطاع المصرفي و إعادة الثقة به لتحقيق عملية الدفع الإلكتروني او التعامل مع دوائر الدولة رقمياً. فمعظم العراقيين ليس لديهم بطاقات إئتمانية بل إن خمسهم فقط لديه حسابات مصرفية.
و رغم وجود منصات للدفع الإلكتروني محلياً إلا أن العراقيين لا يثقون إلا بالـ “الكاش”، حيث يستخدم موظفو القطاع العام و المتقاعدون بطاقات الدفع الإلكتروني لسحب رواتبهم الشهرية إلا أنهم يستخدمون الـ “كاش” في معاملاتهم اليومية و يدخرون المتبقي منها في منازلهم.
لذا فمن من المهم جداً أن يستعيد العراقيون ثقتهم بالمصارف مع ضرورة توفير الأمن و الحماية لبياناتهم حتى يتمكن هؤلاء من استخدام الاقتصاد الرقمي بصورة أفضل.
عودة صادرات نفط إقليم كردستان عبر تركيا
منذ الـ 25 من آذار/ مارس الماضي امتنعت تركيا عن تصدير 450 ألف برميل يومياً من نفط إقليم كردستان عبر موانئها بحجة تضرر أنبوب النفط بالزلزال الذي ضرب تلك المناطق. و جاء هذا القرار بعد أن أصدرت محكمة غرفة التجارة الدولية في باريس حكماً يقضي بدفع تركيا تعويضات تقدر بمليار و نصف المليار دولار عن تصدير نفط كردستان عبر الأراضي التركية دون موافقة الحكومة العراقية للفترة ما بين 2014-2018.
و تجاوزت خسائر العراق جراء توقف صادرات نفط كردستان 9 مليارات دولار كما أنها ضغطت بشكل كبير على قدرة الإقليم على تحمل العديد من النفقات.
و في محاولة لحل هذه الأزمة جرت بعض التفاهمات بين كل من بغداد و أربيل أسفرت عن اتفاق يقضي ببيع نفط الإقليم عبر مؤسسة تسويق النفط (سومو) على أن تودع العائدات في حساب مصرفي تابع للإقليم بإشراف حكومي عراقي.
و رغم اللقاءات المتكررة بين مسؤولي وزارتي النفط في كل من تركيا و العراق و الاجتماعات بين الجانب العراقي و ممثلين عن شركات النفط الأجنبية العاملة في الإقليم إلا أن ذلك لم يسفر عن أي قرار يسمح لصادرات نفط كردستان بالمرورعبر الأراضي التركية.
و تعد صادرات نفط الإقليم أساسية في قانون الموازنة الاتحادية التي أقرت للفترة من 2023-2025 حيث أن جزءاً مهماً منها يعتمد على إيراداتها. كما أنها ضرورية ليتمكن الإقليم من سداد التزاماته لشركات النفط العاملة فيه أو تطوير حقوله النفط.
و هنا تبرز مسألة تعديل الموازنة الاتحادية التي تحدث عنها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حتى تتمكن بغداد من دفع مستحقات شركات النفط الأجنبية العاملة في الإقليم. كما تبرز أزمة كلف الانتاج التي حددت في الموازنة بـ 8 دولارات للبرميل في حين أنها 21 دولاراً للبرميل في إقليم كردستان.
و تحاول اللجنة المالية في البرلمان العراقي إيجاد حل لتلك المشكلات إلا أن التحدي الأكبر يكمن في توصل كل من بغداد و أربيل لصيغة توافقية حول قانون النفط و الغازالذي ينظم تعاون الطرفين أو عمل الشركات النفطية و كذلك التعامل مع الدول التي يصدر عبرها النفط العراقي و هي في هذه الحالة تركيا.
زيادة انتاج النفط و الحفاظ على اتفاق أوبك+
فقد أعلن العراق خلال الاجتماع الأخير لأوبك+ عن خفض طوعي لانتاج النفط بمقدار 220 ألف برميل يومياً يبدأ من يناير القادم و يستمر حتى نهاية مارس. و يأتي ذلك ضمن جهود أعضاء اتفاق أوبك+ على تحقيق التوازن في السوق بما يخدم كلاً من المنتجين و المستهلكين على حد سواء.
لكن هذا لم يمنع العراق من أن يستثمر في قطاعه النفطي حيث أنه سيصدر في يناير القادم ملحقاً لجولتي التراخيص الخامسة و السادسة تتضمن 30 مشروعاً نفطياً و غازياً. و قد تمكنت جولة التراخيص الخامسة من زيادة احتياطيات العراق النفطية بمقدار 6 مليارات برميل في حين أنها أضافت 32 مليار قدم مكعب قياسي من الغاز.
و يخطط العراق لزيادة انتاجه النفطي بمقدار 7 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2027 إلا أن تغيرات السوق النفطية و التزام العراق بخفض الانتاج قد تؤخر من الوصول إلى هذا الهدف.
الاكتفاء الذاتي من المنتجات النفطية
و رغم أن العراق هو ثاني أكبر مصدر للنفط في منظمة أوبك إلا أنه يستورد قرابة 300 ألف برميل يومياً من المنتجات النفطية. لذا تعمل وزارة النفط على تشغيل عدد من وحدات التكرير بالإضافة إلى إنشاء مصافي جديدة.
و يستهلك العراق قرابة 800 ألف برميل يومياً من البنزين و الديزل و زيت الغاز في حين أن انتاجه الحالي لا يتعدى 550 ألف برميل يومياً.
و يكمن التحدي الحقيقي في وصول العراق إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من المشتقات النفطية العام المقبل ما يقلل من تكاليف الاستيراد و يوفر على موازنة العراق ما لا يقل عن 3 مليارات دولار كانت تنفق سنوياً طيلة العقدين الماضيين.
استثمار الغاز المصاحب لعمليات الانتاج النفطية
و يعمل العراق على زيادة إنتاجه من الغاز الطبيعي بمعدل 4.250 مليارات قدم مكعب قياسي بالإضافة إلى خفض مستويات حرق الغاز من 1100 مليون قدم مكعب قياسي (مقمق) يومياً إلى أدنى مستوياته مع ضمان وجود كميات كافية من الغاز الحر على المدى الطويل.
لتحقيق ذلك يخطط العراق لاستثمار ثلاثة مشاريع جديدة في 2024 في الحلفاية بطاقة 300 مقمق و الناصرية بطاقة 200 مقمق بالإضافة إلى البصرة NGL2 بطاقة 200 مقمق ، حيث ستتمكن هذه المشاريع من استثمار 70% من الغاز المحترق.
و تشكل قضية الانبعاثات مسألة جوهرية في العراق حيث أشارت العديد من التقارير عن تسببها بحالات مرضية للسكان في المناطق القريبة من الحقول النفط و الغاز بالإضافة لتعهد العراق بخفض هذه الانبعاثات للحفاظ على البيئة.
و قد وضع العراق هدفاً للوصول إلى مستوى صفر انبعاثات بحلول العام 2028 ما يعني أنه يجب أن يتخذ المزيد من الإجراءات التي تمكنه من تحقيق ذلك دون أن يتعارض ذلك مع رغبته في تطوير المزيد من حقول النفط و الغاز.
فعالية الربط الكهربائي مع الشبكة الخليجية
يعاني العراق من مشكلة حقيقة في الكهرباء تتسبب في كل صيف بموجة من التظاهرات و الاحتجاجات. و ينتج العراق قرابة 24 ألف ميغاواط في حين أنه يحتاج إلى 37 ألف ميغاواط. يغطى الفرق من خلال ما يستورده العراق من الكهرباء من إيران أو من الغاز الإيراني الذي يستخدم في تشغيل المحطات الكهربائية.
و في إطار تنويع مصادر شراء الطاقة يأتي مشروع الربط الكهربائي بين العراق و دول الخليج العربي و الذي من المقرر أن ينتهي في نهاية العام 2024 حيث يتوقع أن يوفر للعراق 600 ميغاواط كمرحلة أولى.
و كان وزير الطاقة السعودي قد أوضح في وقت سابق أن مشروع الربط الكهربائي السعودي العراقي المباشر سيضيف في سعته الاولية 1000 ميغاواط لشبكة الطاقة العراقية.
و في سبتمبر من هذا العام أنجز العراق مشروع الربط الكهربائي مع الأردن حيث سيوفر هذا المشروع 150 ميغاواط كمرحلة أولى ثم 500 ميغاواط كمرحلة ثانية و 900 ميغاواط في المرحلة الثالثة.
و يكمن التحدي الحقيقي في نقل الكهرباء و تحقيق الكفاءة في استخدامها بالإضافة لتفعيل نظام الجباية الفعال و الذي يضمن تحقيق العائدات التي تمكن العراق من تحويل قطاع الكهرباء من قطاع خاسر يحمل الدولة أعباء باهظة إلى قطاع مربح يشجع على الاستثمار فيه.
مكافحة الجفاف و التصحر
يعاني العراق من انخفاض سريع في مناسيب المياه نتيجة الجفاف و التصحر ما يؤدي إلى هجرة العديد من المزارعين عن أراضيهم و موت آلاف المواشي. كما تراجع منسوب المياه لمستويات كبيرة تهدد بفقدان كميات هائلة من المياه السطحية. و إذا لم تتخذ إجراءات سريعة لمعالجة هذا الملف فإن نهري دجلة و الفرات قد يجفان بالكامل في العام 2040.
و في العام القادم يعتزم العراق بناء 35 سداً في مناطق مختلفة للحفاظ على مناسيب مرتفعة من المياه تساهم في تنمية الزراعة و تحافظ على التنوع البيئي ما يقلل من الآثار السلبية لتغير المناخ.
و إذا لم يتمكن العراق من بناء هذه السدود فإن منسوب المياه في العراق سيتراجع بمقدار 20% في السنوات الثلاث القادمة و هو ما يعتبر تحدياً حقيقياً و اختباراً جدياً لقدرة العراق على إنجاز هذه المهمة في الوقت المناسب و قبل فوات الأوان.
القدرة على تحقيق الأمن الغذائي
يحتاج العراق البالغ عدد سكانه 43 مليون نسمة إلى كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية و في مقدمتها القمح و الأرز و الشعير، إلا أن شح المياه و التصحر تشكل عائقاً كبيراً أمام الحصول على الكميات الكافية.
و يخسر العراق سنوياً نحو 100 ألف دونم من الأراضي الزراعية بسبب التصحر. لذلك لجأت الحكومة العراقية إلى زراعة العديد من المساحات الصحراوية بالاعتماد على المياه الجوفية. و رغم نجاح هذه الفكرة في انتاج قرابة 3 ملايين طن في العام 2022 إلا أن حجم استهلاك العراق البالغ 5 ملايين طن من القمح سنوياً استوجب استيراد كميات إضافية.
و رغم امتلاك العراق احتياطياً من القمح يكفي لنهاية نيسان / ابريل 2024 إلا أن الحكومة العراقية تخطط لزيادة الانتاج لمستويات قياسية في 2024 تقارب 6 ملايين طن. و في حال تم ذلك فإن العراق سيحقق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح الأمر الذي سيعزز من أمنه الغذائي.
و كان العراق قد اتخذ في العام 2022 حزمة من الإجراءات لمواجه أزمة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية بسبب الحرب الروسية الاوكرانية بضمنها تخصيص 17 مليار دولار لما يعرف باسم قانون الدعم الطارىء للأمن الغذائي و التنمية حيث خصص منها 3.2 مليار دولار لشراء القمح محلياً و استيراده من الخارج.
و يخطط العراق لزراعة 5.5 مليون دونم منها 4 ملايين دونم بالاعتماد على المياه الجوفية في حين يتم زراعة المتبقي اعتماداً على المياه السطحية.
و يكمن التحدي في مقاومة التصحر و توفير المساحات المزروعة دون استنزاف مناسيب المياه مع ضمان وسائل الري و الزراعة الحديثة للفلاحين لتشجيعهم على عدم مغادرة أراضيهم أو هجرتها.
حل أزمة السكن و تحويلها إلى فرصة استثمارية
تعتبر مسألة توفير السكن في العراق أزمة حقيقية حيث تحتاج البلاد إلى ثلاثة ملايين وحدة سكنية في ظل عدم توافر المشاريع الحقيقية لاستيعاب الزيادة السكانية. إلا أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كان قد أعلن أن العام 2024 سيكون عام إنجاز المشاريع و ذلك في إطار خطة استراتيجية لإنشاء خمسة مدن سكنية جديدة في كل من بغداد و بابل وكربلاء ونينوى والأنبار، كما سيتم لاحقاً الإعلان عن عشرة مدن سكنية جديدة في محافظات أخرى.
و الهدف من هذه المشاريع الوصول إلى 250- 300 ألف وحدة سكنية، تخصص للطبقات الفقيرة والمتوسطة، مع التزام بثبات أسعار الوحدات السكنية.
و تعتبر هذه الخطوة مهمة جداً للتغلب على أزمة السكن لكنها بكل تأكيد تحتاج للتغلب على البيروقراطية و الروتين الموجودة في دوائر الدولة العراقية و توفير البنية التحتية المناسبة للشركات المستثمرة.
كما يبرز التحدي الأهم في القدرة على جذب المستثمرين الكفوئين لهذا القطاع و تحويله إلى مشغل حقيقي لقطاعات أخرى كمواد البناء و شركات الخدمات و التعليم و الصحة و غيرها.
البدء بمشروع طريق التنمية
يعتبر تطوير علاقات العراق التجارية مع دول العالم نقطة تحول أساسية في سياساته الخارجية. فطريق التنمية الذي يعتزم العراق البدء فيه و الذي يصل بين ميناء الفاو في البصرة جنوباً إلى الحدود التركية شمالاً مهماً جداً في زيادة حجم التجارة بين أوروبا و آسيا عبر تركيا. كما أنه سيزيد من وصول السلع إلى السوق العراقية ما يقلل من كلفتها و زمن وصولها و يعزز المنافسة لصالح المستهلك العراقي.
و تكمن أهمية طريق التنمية أنه لن يقتصر على السلع و النقل الركاب بل أنه أيضاً سيشمل خطوط الطاقة من نفط و غاز.
و يتكامل طريق التنمية مع مشروع نمو الغاز المتكامل (GGIP) و الذي يجري بالتعاون بين توتال إنرجيز الفرنسية و قطر للطاقة مع شركة نفط البصرة لتطوير الغاز بقيمة 27 مليار دولار ليتحول العراق من مرحلة حرق الغاز إلى مرحلة تصديره.
كما يهيئ طريق التنمية الفرصة المستقبلية لتصدير الغاز القطري عبر العراق إلى تركيا و منه إلى أوروبا في خطوة ستشكل إضافة مهمة لسلاسل إمداد الطاقة العالمية و تعتبر تحولاً استراتيجياً مهماً بالنسبة للعراق.
و تبرز تركيا كأحد أهم الدول الداعمة لطريق التنمية خصوصاً و أنها تطمح لتكون عقدة عالمية للطاقة. و في هذا الإطار حث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان العراق على البدء في هذا المشروع في الأشهر القليلة القادمة.
لكن التحدي الأكبر في هذا المشروع هو القدرة على إنجازه في الوقت المطلوب فالمرحلة الأولى من ميناء الفاو ستنجز في منتصف العام 2025 كما أن هناك مشكلات تتعلق بمواقع أثرية و أنابيب نفط و أخرى تتعلق بوزارات و مؤسسات حكومية قد توقع المشروع في الروتين و البريوقراطية.
إضافة إلى ذلك تبرز مشكلة القدرة على جذب الاستثمارات الدولية و التي أبدت العديد من الدول رغبتها في المساهمة في هذا المشروع لكن لم تشهد أية عروض أو مناقصات قدمتها بغداد على ارض الواقع.
هل سيتمكن العراق من التغلب على هذه التحديات؟
يستطيع العراق تجاوز هذه التحديات و تحويلها إلى فرص استثمارية ناجحة لكنه يحتاج إلى تماسك سياسي و اتفاق بين مختلف الأحزاب و المؤسسات على تنمية الاقتصاد و جعل العام 2024 عاماً للمشاريع و التطوير.
لقد أضاع العراق سنوات طويلة و هو الآن أمام مفترق طرق حقيقي فإما أن يستغل وجود الطفرة المالية في تنويع اقتصاده أو أنه سيبقى رهينة لمتغيرات السوق التي تتلاعب بها التوترات الجيوسياسية في وقت يسعى فيه العراق لتحقيق التوازن في علاقاته الإقليمية و الدولية.
مرتبط
مواضيع مرتبطة