هل ينجو اقتصاد العراق من تداعيات حرب غزة؟
حكومة السوداني في مواجهة الفصائل
ما إن بدأت الحرب الأخيرة في غزة حتى اتسعت آثارها لتشمل دولاً أخرى في المنطقة كلبنان و سوريا و العراق و اليمن. و شهدت القواعد الأمريكية في كل من سوريا و العراق هجمات عدة بصواريخ و طائرات مسيرة تبنتها ما يعرف بفصائل المقاومة العراقية. كما دعى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى غلق السفارة الأمريكية في بغداد الأمر الذي اعتبره المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية خياراً مدمراً للعراق.
و كان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بصفته القائد العام للقوات المسلحة قد وجه قبل ذلك بملاحقة و معاقبة العناصر التي تهاجم القواعد الأمريكية في العراق كونها تضر بالأمن و الاستقرار مؤكداً أن قوات التحالف الدولي تتواجد في العراق بدعوة رسمية من قبل الحكومة العراقية.
و في رد على استهداف قواعده العسكرية ، نفذ الجيش الأمريكي عدداً من الضربات استهدفت مواقع لفصائل وصفها بأنها مدعومة من إيران.
هذه الحالة من التوتر و التعقيد في المشهد تضع حكومة السوداني في مواجهة خيارات صعبة و حساسة للغاية. فهي إما أن تكون في مواجهة مع الفصائل التي تهاجم القواعد العسكرية الامريكية أو أن تكون في مواجهة مع الولايات المتحدة و ما يتبع ذلك من عواقب تؤثر في العلاقة بين بغداد و واشنطن.
و كان وزير خارجية العراق فؤاد حسين قد أوضح أن الربط بين تواجد قوات التحالف في العراق و الحرب على غزة سيؤدي لمشاكل كبيرة في الواقع العراقي من ضمنها كردستان متسائلاً عن التبعات السياسية و الاقتصادية و الأمنية لذلك.
فاستهداف القواعد الأمريكية في أربيل يحرج حكومة السوداني أمام شركائها الكرد و يشكل خطراً على تحالفات هذه الحكومة و تماسكها خصوصاً بعد أزمة إقصاء رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي عن رئاسة البرلمان و أثر ذلك على توجهات المكون السني في تلك الحكومة.
ما هو مصير الاستثمارات الأجنبية في العراق؟
و يحتاج العراق لجذب الاستثمارات الأجنبية لدعم و تطوير قطاعاته الاقتصادية المختلفة إلا أن استمرار التصعيد في غزة سيؤثر لدرجة كبيرة بالوضع الأمني في العراق و المنطقة و ما ينجم عن ذلك من ردود أفعال دولية. و في حال قررت الفصائل التي تستهدف القواعد العسكرية الأمريكية توسيع قائمة اهدافها فإنه يخشى أن يشمل ذلك جزءاً كبيراً من المصالح الغربية في العراق. و قد يفسر ذلك التحذيرات التي صدرت من قبل وزارة الخارجية الأمريكية لرعاياها بعدم السفر إلى العراق لأسباب أمنية.
و حال تطورت الأوضاع بهذا الاتجاه فإن حكومة السوداني ستكون في وضع تفقد فيه السيطرة على التحكم بإدارة البلاد أو ضمان أمن البعثات و الشركات على حد سواء. و سيؤدي ذلك لمراجعة العديد من الشركات الأجنبية لقراراتها بالدخول للسوق العراقية ما يؤثر سلباً على مستقبل الاقتصاد العراقي.
و بالنظر لحجم العراق في سوق النفط العالمية فإن أي استهداف لشركات النفط و الغاز العاملة سيؤدي بدون شك لتراجع انتاجه النفطي و تأخر خططه الخاصة بتطوير حقول الغاز ما يعني تراجعاً في إيراداته المالية و خسارة مليارات الدولارات. لكن ذلك سينعكس على أسعار النفط التي ستشهد ارتفاعاً لن يخدم الاقتصاد العالمي الذي يعاني من ارتفاع التضخم و تراجع زخم النمو.
من جانبها فإن الولايات المتحدة تعتبر العراق شريكاً اقتصادياً مهماً ، لذا فهي تحاول أن تبقيه بعيداً عن أية توترات محتملة. فقد استوردت السوق الأمريكية قرابة 10% من صادرات العراق النفطية هذا العام. كما ارتفعت تلك الصادرات خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى آب / أغسطس بنسبة 13.51% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2022 لتصل إلى 84.049 مليون برميل.
مستقبل قطاع الطاقة في العراق
و يعمل في العراق عدد من الشركات الأمريكية خصوصاً في قطاع الطاقة أبرزها شركة جنرال إلكرتيك التي تعمل على تطوير قطاع الكهرباء في العراق بالإضافة لشركة بيكرهيوز التي تعمل على استغلال الغاز المصاحب لعمليات الانتاج النفطية جنوبي البلاد.
و رغم امتلاك العراق احتياطياً ضخماً من الغاز يقدر بـ 126 ترليون قدم مكعب إلا أنه يحرق سنوياً ما قيمته 8 مليار دولار. بالإضافة لذلك فإن قيمة ما يستورده العراق من الغاز الإيراني تعادل الـ 4 مليارات دولار سنوياً.
و كان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد أكد في مناسبات عدة حرص حكومته على تواجد الشركات الأمريكية في العراق حيث مشيراً إلى ضرورة تنويع اقتصاد بلاده بعيداً عن النفط. لذا تسعى إدارة الرئيس بايدن إلى تسريع اكتفاء العراق ذاتياً في مجال الطاقة و إنهاء اعتماده على الغاز الإيراني.
لتحقيق هذا الهدف في غضون السنوات الثلاث القادمة تسعى واشنطن لجذب أكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية لقطاع الطاقة في العراق. كما تمنح الإدارة الأمريكية العراق إعفاءات تمتد لفترات تصل إلى اربعة أشهر في كل مرة تسمح فيها للعراق باستيراد الكهرباء من إيران.
بالإضافة إلى ذلك تسعى واشنطن للتوسط في قضية استئناف صادرات كردستان النفطية عبر الموانىء التركية الأمر الذي سيزيد من إيرادات العراق المالية بمقدار مليار دولار شهرياً و يجنبه خسائر تجاوزت الـسبعة مليارات دولار منذ تاريخ توقفها أواخر شهر آذار مارس الماضي.
إلا أن التوترات السياسية و الأمنية الأخيرة إذا ما اتسعت فإنها ستعرقل خطط العراق بالوصول للإكتفاء في مجال الطاقة خلال الفترة المحددة.
حماية أموال العراق
و تدرك واشنطن جيداً حجم النفوذ الإيراني في العراق لذا فهي تحاول جاهدة تنويع المصادر التي يعتمد عليها الاقتصاد العراقي في تجارته الخارجية. و تطمح طهران لزيادة حجم التبادل التجاري مع العراق ليصل إلى 20 مليار دولار، في الوقت الذي تراقب فيه وزارة الخزانة الأمريكية حركة الأموال التي تخرج من العراق بغرض الاستيراد و التي تعتقد واشنطن أن جزءاً كبيراً منها يذهب لتمويل الفصائل المسلحة التابعة لإيران.
لذا تخشى حكومة السوداني من أن يؤدي المزيد من الاستهداف العسكري للقواعد الأمريكية في العراق إلى ردود أفعال قوية من واشنطن تتجاوز الرد العسكري و تصل إلى حد الإجراءات الاقتصادية.
و في حال رفعت واشنطن الغطاء عن العراق فإن التبعات السلبية ستتسارع على العراق سياسياً و اقتصادياً. فحماية أموال العراق من الدائنين ستكون محل تساءل كبير و قد يسارع الدائنون للمطالبة بأموالهم ما يؤدي إلى ارتفاع كبير في سعر الدولار و ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع و المواد التي يحتاجها العراقيون و ارتفاع في مستويات التضخم و معدلات الفقر في البلاد.
أما سياسياً فإن ذلك سيؤدي بدون شك إلى عزلة العراق عن المجتمع الدولي و الذي ستكون نتائجه كارثية بالنسبة لحكومة السوداني التي كانت و ما تزال طامحة لزيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة و و تنويع مصادر الدخل.
التوازن الحرج بين واشنطن و طهران
بالنسبة للإدارة الأمريكية فإن الحديث عن مواجهة محتملة بين بغداد و واشنطن ليس بالأمر الوارد. فالولايات المتحدة ترفض أن يصنف العراق ، الشريك الحالي ، في خانة الدول المعادية خصوصاً و أن واشنطن قد ساهمت في صياغة نظامه السياسي بعد العام 2003. كما أن العراق هو من أكبر مصدري النفط في العالم لذا تتجنب واشنطن تصعيد الموقف معه أو مع إيران لما في ذلك من انعكاسات على إمدادات الطاقة عالمياً و الناجمة عن تراجع الانتاج النفطي أو إغلاق مضيق هرمز و ما ينجم عن ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد الأمريكي.
بالإضافة لذلك فإن واشنطن تخشى من أن يصبح العراق في خانة الدول المحسوبة على المحور الروسي- الإيراني و من خلفهم الصين، الأمر الذي يعد خسارة استراتيجية كبيرة و تحولاً عميقاً في خارطة التحالفات الإقليمية.
كما تدرك إدارة الرئيس بايدن جيداً أن حكومة السوداني لن تكون قادرة على الاصطدام مع الفصائل المؤيدة لإيران. لذا فقد أعلنت الخارجية الأمريكية في أكثر من مناسبة أن الولايات المتحدة غير راغبة في التصعيد.
الجانب الإيراني أيضاً يدرك أهمية التوصل إلى تسوية ما في أزمة غزة خاصة و أن اتساع مداها الجغرافي و أمدها الزمني يضر بمصالح طهران و احتمال التوصل إلى تسوية من نوع معين مع واشنطن و إن كانت تصريحات بعض سياسييها تقول غير ذلك.
فكل من الولايات المتحدة و إيران حريصتان على عدم التفريط بمصالحهما في العراق. هذا النوع من التوازن الحرج بين الجانبين هو من يضمن لواشنطن تدفق النفط العراقي و التوسع بالاستثمار في قطاع الغاز في حين أنه يحقق لطهران متنفساً من العقوبات و سوقاً لسلعها يصل إلى 10 مليارات دولار في السنة.
أما حكومة السوداني فسيكون عليها أن تجد المعادلة المناسبة لإرضاء شركائها من الكرد و السنة و احتواء الفصائل المسلحة مع إيجاد صيغة للتفاهم بين واشنطن و طهران تقرب بين جميع الأطراف و تبعد المنطقة عن المزيد من التوتر و التصعيد.
مرتبط
مواضيع مرتبطة