هل يقل طلب الصين على النفط في 2025؟

التباطؤ الاقتصادي وتوقعات النمو

تشهد الصين، أكبر مستهلك للطاقة في العالم، تحولاً حاسماً في مسار الطلب على النفط. ورغم أنها كانت تاريخياً المحرك الرئيسي لنمو استهلاك النفط العالمي، فإن الاتجاهات الأخيرة تشير إلى ذروة محتملة في السنوات القادمة.
وتتوقع بعض الدراسات أن يبلغ الطلب على النفط ذروته في عام 2025، في حين تعرض جداول زمنية مختلفة قليلاً زيادة في الطلب على النفط قد تتراوح بين 17.59 – 18.1 مليون برميل يومياً بحلول نهاية هذا العقد.
ويحمل هذا التحول آثاراً كبيرة على سوق النفط العالمية ومشهد الطاقة ككل، وخاصة بعد التباطؤ الملحوظ في الاقتصاد الصيني في السنوات الخمس الأخيرة. وفي حين قد تختلف الأهداف الرسمية، يتوقع معظم خبراء الاقتصاد أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين هذا العام أقل من 5%، وربما نحو 4.5%. ولا شك أن هذه النسبة من النمو ستؤثر سلباً على طلب القطاعات الاقتصادية المختلفة على الطاقة.

زيادة متواضعة في الطلب على النفط

يترافق التباطؤ الاقتصادي للصين مع انخفاض للناتج الصناعي، وضعف في نشاط البناء، مع تراجع في الإنفاق الاستهلاكي. إضافة إلى ذلك فهناك ارتفاع في نسبة الشيخوخة عند الصينيين، الأمر الذي يفرض تحديات على القوى العاملة ويتطلب تغيير الديناميكية الاقتصادية المتبعة للتعامل مع هذه المشكلة.
فقد شهدت الصين مؤخراً  تراجعاً ملحوظاً في الانتاجية و ارتفاعاً في تكاليف العمالة ما أدى إلى تراجع الناتج الاقتصادي الإجمالي للبلاد وإضعاف ميزاتها التنافسية في التصنيع، والتحول نحو الصناعات ذات القيمة الأعلى.
كما شهد سوق العقارات الصيني تباطؤاً بعد أن كان محركًا مهمًا للنمو في السنوات الأخيرة، الأمر الذي أثر على عدد من القطاعات ذات الصلة.

الرياح المعاكسة للاقتصاد الصيني

ولم تكن حالة الاقتصاد العالمي بوضع يساهم في زيادة الطلب على الطاقة فقد فاقمت حالة عدم اليقين وضبابية المشهد الاقتصادي العالمي بالإضافة إلى التوترات التجارية العالمية والمخاطر الجيوسياسية بإثارة الرياح المعاكسة للاقتصاد الصيني. هذا الأمر دفع الحكومة الصينية في السنوات الخمس الماضية للبدء بتحولات هيكلية في الاقتصاد الصيني في محاولة لإنعاشه اوزيادة الناتج المحلي الاجمالي للبلاد.
وتركز هذه التحولات الهيكلية على قطاع الخدمات، الذي يتميز عمومًا بطلب أقل على الطاقة. كما يترافق ذلك بتحسين كفاءة الطاقة و العمل على تطبيق سياسات حكومية تدفع إلى التركيزعلى قطاع التكنولوجيا بالتزامن مع خفض استهلاك النفط لكل وحدة من الناتج الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، تبنت الصين بقوة سياسة تصنيع السيارات الكهربائية التي تشكل اليوم 40% من مبيعات السيارات الجديدة في الصين و20٪ من المبيعات على مستوى العالم.
و بحلول العام 2030 ستصل مبيعات السيارات الكهربائية إلى 50٪ من مبيعات السيارات العالمية ما يجعل الصين أكبر سوق لها ويقلل الطلب الصيني على النفط بمقدار 6 ملايين برميل يوميًا.

نمو في قطاعي الخدمات و البرتوكيماويات

لكن بالرغم من النمو السريع لسوق السيارات الكهربائية، إلا أن الاقتصاد الصيني يشهد بشكل عام نمواً ملحوظاً في قطاعي التصنيع والخدمات، الأمر الذي يزيد من الاعتماد على النفط. فقد تراجع مؤشر مديري المشتريات في قطاع التصنيع في الصين إلى 50.5 في ديسمبر 2024 متراجعاً عن أعلى مستوى له في خمسة أشهر. أما مؤشرمديري مشترات الخدمات فرغم ارتفاعه إلى 52.2 في ديسمبر 2024 من 51.5 في نوفمبر إلا أنه ما يزال أقل مما كان عليه خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2024.
بالإضافة إلى ذلك فإن الصين تسعى بشكل جاد إلى التوسع في قطاع البتروكيماويات الذي يشكل محركًا رئيسيًا للطلب على النفط. ويعمل النفط كمادة خام أساسية لإنتاج البلاستيك والمواد الكيميائية وغيرها من المواد الصناعية الأساسية.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية فإن 90٪ من الطلب المتزايد على النفط في الصين في الفترة من 2021 – 2024 كان مصدره المواد الخام الكيميائية مثل غاز البترول المسال والإيثان والنفتا.
ومع تحول قطاع البتروكيماويات في الصين إلى السوق المحلي، واستثمار مصافي خاصة جديدة في المصانع الكيماوية، فإنه من المتوقع أن يساهم ذلك في تعزيز الطلب الصيني على النفط . و تشير التوقعات إلى أن الطلب الصيني على النفط هذا العام قد يتراوح عند 770 مليون طن قبل أن يتراجع تدريجيًا إلى 240 مليون طن بحلول 2060.
ورغم الارتفاع المتوقع لواردات الصين النفطية هذا العام إلا أنها ستبقى دون ما وصلت إليه في العام 2023 حيث بلغت نحو 16.58 مليون برميل يومياً .
بالمقابل من ذلك تسعى الصين لتحقيق أهدافها المتعلقة بالحفاظ على البيئة خصوصاً بعد ارتفاع درجات التلوث في الهواء لمستويات قياسية. لذا وفي إطار السياسات المتبعة لخفض الانبعاثات الحرارية أعلنت الحكومة الصينية التزامها بالتحول نحو مصادر الطاقة النظيفة، بما في ذلك الاستثمارات في الطاقة المتجددة وتدابير كفاءة الطاقة، الأمر الذي من شأنه أن يمارس تأثيرًا طويل الأمد على الطلب على النفط.
التعاليق: 0

لن يتم نشر بريدك الالكتروني, الحقول المشار اليها بـ * مطلوبة.