هل تعصف الأعاصير بالاقتصاد الأمريكي؟
للقراءة السريعة:
- تقدر الخسائر الناجمة عن الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة خلال عقدين من الزمن بأكثر من ترليون دولار.
- خلال الفترة (2003-2023) لم يرتفع العدد الإجمالي من الأعاصير إلا أن شدتها تظهر تزايداً ملحوظاً.
- قد يتسبب إعصار ميلتون بخسائر في القطاع النفطي تقدر بـ 10 مليار دولار جراء إغلاق عدد من المصافي و انقطاع الإنتاج.
- زيادة الانفاق الفيدرالي وعرقلة سلاسل التوريد سيزيد من الضغوط التضخمية.
إعصار يتلوه آخر
تترقب الولايات المتحدة باهتمام و قلق إعصار ميلتون الذي يتوقع أن يضرب ولاية فلوريدا بسرعة رياح تصل إلى 100 ميل في الساعة. وفقاً للمركز الوطني للأعاصير فإن هذا الإعصار خطير جداً حيث يتوقع أن يرتفع تصنيفه إلى الدرجة الثالثة عند وصوله إلى اليابسة.
ويأتي هذا الإعصار بعد عدة اسابيع من إعصار هيلين الذي صنف من الدرجة الرابعة وضرب جنوب شرق الولايات المتحدة في 26 سبتمبر من هذا العام بسرعة 140 ميلاً بالساعة. وتسبب إعصار هيلين الذي ضرب ست ولايات بدمار كبير ووفاة 230 شخص و خسائر تقدر بـ 260 مليار دولار، ليلتحق بغيره من الأعاصير التي تضرب الولايات المتحدة في كل عام متسببة بخسائر كبيرة بالاقتصاد الأمريكي.
يرصد هذا التقرير الآثار الاقتصادية المحتملة لإعصار ميلتون على الاقتصاد الأمريكي و تأثيرها على القطاعات المختلفة و التضخم و النمو في ظل محاولات الفيدرالي خفض التضخم و السيطرة عليه.
خسائر مالية كبيرة
خلال العقدين الماضيين، شهدت الولايات المتحدة العديد من الأعاصير يقارب عددها الأربعين إعصاراً، بمعدل إعصار إلى إعصاريين تضرب اليابسة في كل عام. وشهدت بعض السنوات العديد من الأعاصير الكبيرة كالعام 2005 الذي شهد كلاً من إعصاري ويلما (185 ميلاً في الساعة) وإعصار كاترينا (175 ميلاً في الساعة) ، و العام 2017 الذي شهد ثلاثة أعاصير شديدة هي إعصار هارفي (130 ميلاً في الساعة) وإعصار إيرما (185 ميلاً في الساعة) وإعصار ماريا (175 ميلاً في الساعة). وقد خلفت هذه الأعاصير خسائر كبيرة في الأرواح و الممتلكات قدرت بمئات المليارات من الدولارات.
فقد تسبب إعصار كاترينا في عام 2005 بأضرار تقدر بنحو 160 مليار دولار، في حين أسفر إعصار هارفي عام 2017 عن حوالي 125 مليار دولار. و تقدر الخسائر الناجمة عن الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة خلال عقدين من الزمن بأكثر من ترليون دولار.
و من خلال تتبع الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة خلال الفترة (2003-2023) فإنه لم يلاحظ اتجاهاً متزايداً للعدد الإجمالي من الأعاصير إلا أن شدة هذه الأعاصير تظهر تزايداً ملحوظاً. و يعزا ذلك إلى ظاهرة التغير المناخي و الظروف المؤدية إلى تشكلها، حيث أصبحت العواصف أكثر قوة وتنتج أمطارًا غزيرة تتسبب بفيضانات و دماراً واسعاً خصوصاً في المناطق الساحلية حيث سيتطلب الأمر استراتيجيات جديدة للتكيف مع أعاصير أكثر شدة و إدارة أكثر فعالية لإدارة المخاطر.
تأثير واضح على صناعة النفط
ساهمت الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة على مدى عقدين من الزمن في اضطرابات كبيرة في إنتاج النفط في خليج المكسيك، مما تسبب في انقطاع الإنتاج بملايين البراميل يوميًا. و تسبب إعصار ميلتون بتوقف العديد من المصافي عن العمل و إغلاق عدد من محطات الوقود ما أدى إلى تراجع الإمدادات.
فقد أعلنت شركة كيندر مورجان عن إغلاق محطات انتاجها المكررة بالإضافة إلى خطي أنابيبها الناقلين للمنتجات النفطية المكررة كالديزل ووقود الطائرات من تامبا إلى أورلاندو وسط فلوريدا.
ومع عمليات إجلاء السكان فإن قد يتسبب ذلك بارتفاع أسعار الوقود حتى بعد انتهاء الإعصار خصوصاً و أن العديد من الطرق ستكون مقطوعة أو مغمورة بالمياه بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي الأمر الذي يصعب إيصال تلك الإمدادات لمحتاجيها.
و لا يتوقف الأمر عند الانتاج و المصافي فقد يلحق إعصار ميلتون الضرر بالعديد من أجهزة الحفر البحرية و خطوط الأنابيب النفطية ما قد يكبد شركات الطاقة خسائر ضخمة نتيجة ارتفاع التكلفة لإصلاحها و توقفها عن العمل.
فقد أعلنت شركة شيفرون عن إغلاقها منصة Blind Faith في خليج المكسيك في حين أغلقت موانىء كل من تامبا و جاكسونفيل وفيرناندينا أمام حركة الملاحة.
و في الوقت الذي تحاول فيه إدارة الرئيس بايدن تقليل الخسائر فإن إعصار ميلتون قد يساهم في تعطيل سلاسل التوريد، و تأخر تسليم شحنات النفط الخام والمنتجات المكررة و يضطرها لدفع فاتورة أعلى جراء ارتفاع أسعار الطاقة و التقلبات في أسعار النفط حيث أن الأسواق ستتفاعل مع الانقطاع في الإمدادات بطريقة تعكس مخاوفها و حالة اللايقين المستمرة.
و تشير التقديرات الأولية للخسائر المتوقعة لإعصار ميلتون على القطاع النفطي قد تكون بحدود الـ 10 مليار دولار و ذلك جراء إعلاق عدد من المصافي و انقطاع الإنتاج.
خسائر اقتصادية كبيرة
و من المتوقع أن تزداد الضغوط المالية الناجمة عن إعصار ميلتون مع إغلاق الشركات و مغادرة السكان منازلهم و خسارة الكثيرين لأعمالهم و انقطاع إيراداتهم.
و في الوقت الذي يرتفع فيه عجز الموازنة في الولايات المتحدة إلى 1.9 ترليون دولار فإن زيادة الإنفاق الفيدرالي لمعالجة أضرار إعصار ميلتون و قبله إعصار هيلين ستزيد من هذه الفجوة و ستؤثر بشكل واضح على مجمل الناتج المحلي للاقتصاد الأمريكي هذا العام.
خسارة الوظائف و ارتفاع طلبات الإعانة في ظل زيادة الانفاق الفيدرالي ستؤثر بشكل كبير على زيادة معدلات الدين العام و جهود الفيدرالي في كبح جماح التضخم.
فالاضطرابات الأولية الناجمة عن الارتفاع المتوقع في أسعار بعض السلع و زيادة الطلب على الوقود مع شحة الإمدادات و عرقلة سلاسل التوريد ستزيد من الضغوط التضخمية. كما قد يتسبب الارتفاع المتوقع في مطالبات التأمين بإفلاس بعض شركات التامين الأقل قدرة على التغطية.
فرص مهمة رغم التحديات
بالرغم من المخاطر الكبيرة الناجمة عن هذه الأعاصير التي تضرب الولايات المتحدة إلا أن هناك عدداً من الفرص التي يمكن أن تخلقها أو ترتبط بها. فهي قد تحفز التركيز على الاستثمار المرن في البنية التحتية بما في ذلك تطوير الدفاعات ضد الفيضانات و تحسين أنظمة الصرف مع تعزيز المباني المقاومة للأعاصير من خلال تصميمات معمارية مبتكرة تساهم في تطوير القطاع العقاري.
كما يتطلب الأمر الاستثمار في التكنولوجيا المتعلقة بالتنبؤ المتقدم و أنظمة الإنذار المبكر وتقنيات الاستجابة للكوارث ما يشجع البحوث والابتكار في هذه المجالات.
و مع ملاحظة الأثر السلبي لتغير المناخ فإن هذا الأمر سيزيد من الاهتمام و الاستثمار في حلول الطاقة الخضراء لتسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، حيث قد تركز جهود إعادة البناء على أنظمة الطاقة المستدامة.
و لأن هذه الأعاصير هي أكثر ارتباطاً بقطاع التأمين فإن هذا سيدفع شركات التأمين على تقديم حلول و منتجات تأمين جديدة مع استخدام استراتيجيات أفضل لإدارة المخاطر لتقليل حجم الخسائر المتوقعة.
مرتبط
مواضيع مرتبطة