هل تخشى أوروبا فوز ترامب بولاية ثانية؟

للقراءة السريعة:

– تخشى دول الاتحاد الأوروبي أن يقلص ترامب دعمه للناتو ما يحملها أعباء اقتصادية كبيرة و يجعلها وحيدة في مواجهة روسيا.

– التعريفات الجمركية التي لوح ترامب بفرضها على الصادرات الأوروبية ستضعف الاقتصاد الأوروبي و تقلص من انتاجه الصناعي.

– اعتماد الاقتصاد الأوروبي على شحنات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية قد يحد من قدرته على الرد على سياسات ترامب الحمائية.

– تطوير الشراكات التجارية الأوروبية مع أسواق جديدة ضرورة ملحة لتعويض الخسائر المحتملة في السوق الأمريكية.

– انسحاب ترامب المحتمل من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالمناخ تضع الشركات الأوروبية في وضع تنافسي غير متكافىء مع الشركات الأمريكية.

– تشدد ترامب في تعامله مع ملف الهجرة و اللجوء قد يؤدي إلى انقسام أوروبي داخلي.
يترقب العالم باهتمام الانتخابات الأمريكية و ما ستسفر عنه من نتائج قد يكون لها وقع مهم على العلاقات الدولية و الاقتصاد العالمي. الاتحاد الأوروبي هو أحد أكثر الأطراف الدولية التي ستتأثر بشكل مباشر بنتائج هذه الانتخابات. ففي حال فوز الرئيس دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية سيكون هناك تأثير مباشر على العلاقات الأمريكية الأوروبية.
ويمرالاتحاد الأوروبي بمرحلة عصيبة ترسم ملامحها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي انعكست بصورة مباشرة على العلاقات الداخلية بين دول الاتحاد الأوروبي ذاتها و على علاقات دول الاتحاد مع الاقتصاد العالمي بشكل عام.

الدعم الأمريكي للناتو

وتولي أوروبا اليوم اهتماماً أكبر بملف الدفاع خصوصاً و أن الحرب الأوكرانية لها آثار كبيرة على السياسات الاجتماعية و الاقتصادية لدول الاتحاد. فقد زادت العديد من الدول الأوروبية من فاتورة الدفاع على حساب الأجندات التنموية الأمر الذي انعكس بشكل واضح في معدلات النمو الاقتصادي المتواضعة.
فرغم نمواقتصاد منطقة اليورو بمعدل أعلى من التوقعات بلغ 0.4% على أساس ربع سنوي في الربع الثالث من عام 2024، إلا أن التوترات العالمية و نتائج الانتخابات الأمريكية ما تزال تعكس صورتها بشكل واضح على الأداء الضعيف للأسهم الأوروبية.
فعلى صعيد السياسة الخارجية، من المحتمل أن يقلص ترامب دعمه للناتو، الأمر الذي سيثير حفيظة حلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين. وقد أنفقت أوروبا مبالغ كبيرة لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا و هي تحاول دعم ترسانتها العسكرية بالمزيد من التسليح و التطوير التقني ما حمل دول الاتحاد كلفاً عالية. وأي تراجع أمريكي اليوم عن دعم الناتو لن يكون إلا مزيداً من الأعباء الاقتصادية على أوروبا فضلاً عن إضعاف موقف الاتحاد الأوروبي أمام التهديدات الروسية.

العلاقات التجارية

و ليس الأمر بأفضل منه فيما يتعلق بالعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي. فترامب يلوح بفرض تعريفات جمركية بنسبة 10% على سلع الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيضر بالصادرات الأوروبية و في مقدمتها السيارات والآلات والكيماويات. وقد ترتفع اسعار هذه السلع و يتباطأ إنتاجها ما يؤدي إلى خسارة مصنعيها لحصصهم في السوق الأمريكية واضطرارهم لتسريح الموظفين في محاولة منهم لخفض التكاليف.
هذا بالطبع سيؤثر بشكل كبير على اقتصادات مهمة و في مقدمتها ألمانيا وإيطاليا و إيرلندا وغيرها من الدول الصناعية الأوروبية التي قلصت من انتاجها الصناعي على مدى العامين الماضيين.
و يزداد تأثير هذه السياسة التي قد يتبعها ترامب في ظل اعتماد أوروبا على مصادر الطاقة المستوردة من الولايات المتحدة. فالاتحاد الأوروبي يعتمد على الشحنات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال خصوصاً بعد التوقف عن شراء الغاز و النفط من روسيا. وتهدف الولايات المتحدة إلى شحن 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا سنويًّا حتى عام 2030 على الأقل، وهو ما يمثل نحو ثلث الغاز الذي يتلقاه الاتحاد الأوروبي من روسيا.
إلا أن الأمر قد يزداد سوءاً في حال تسبب التعرفات الجمركية الأمريكية بتراجع قيمة اليورو امام الدولار، ما يرفع من الكلف الاقتصادية على دول الاتحاد ويؤثر في نموها الاقتصادي.

المهمة الصعبة

وتعتبر الولايات المتحدة الشريك الأكبر للاتحاد الأوروبي. ففي العام الماضي 2023، بلغ صافي الصادرات السلعية الأوروبية إلى السوق الأمريكية نحو 158 مليار يورو. لذا فإن أوروبا ستكون حريصة على الحفاظ بعلاقات اقتصادية متينة مع واشنطن خصوصاً في ظل توتر علاقاتها مع كل من روسيا و الصين. وسيحد ذلك من خيارات أوروبا و التدابير المضادة التي قد تتخذها لحماية مصدريها. كما أنه من الصعوبة بمكان التكهن بحجم التعرفات الجمركية التي قد يفرضها الاتحاد الأوروبي على السلع الأمريكية في إطار الرد على السياسات الحمائية الأمريكية.
هي مهمة صعبة جداً تنتظر القادة الأوروبيين خصوصاً فيما يتعلق بصياغة شكل جديد للعلاقات التجارية و الاقتصادية مع الولايات المتحدة حال نجاح ترامب بدخول البيت الأبيض مجدداً.
ولا شك في أن الأوروبيين سيكونون حينها مضطرين لتنويع شراكاتهم التجارية مع اقتصادات جديدة تعوض عن خسارتهم المحتملة في السوق الأمريكية، إلا أن ذلك يحتاج لصياغة تشريعات جديدة اكثر مرونة.

اتفاقية المناخ

ويخشى القادة الأوروبيون ان ينفذ ترامب تعهده بالانسحاب الكامل من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، خصوصاً بعد انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 خلال فترة رئاسته السابقة. فقد وصف ترامب هذه الاتفاقية بالصفقة السيئة و غير العادلة التي تؤدي إلى فقدان الوظائف و الضرر بالصناعات الأمريكية.
و قد يؤثر الانسحاب الأمريكي المحتمل على جهود التعاون الأوروبي في مجال تغير المناخ ويضع الشركات الأوروبية في وضع تنافسي غير متكافىء مع الشركات الأمريكية التي قد لا تجد نفسها ملزمة بالمعايير البيئية و التشريعات المناخية المحددة مسبقاً.

ملف الهجرة

ملف الهجرة هو الآخر أحد الملفات الساخنة التي قد تؤثر في العلاقات الأمريكية الأوروبية حال تولي الرئيس ترامب لولاية ثانية. فسياسات ترامب المتشددة تجاه ملف الهجرة تلقى تأييداً واسعاً من قبل الاحزاب اليمينية الاوروبية. و قد يدفع ذلك تلك الأحزاب إلى اتخاذ مواقف أكثر تشدداً تجاه تنفيذ ميثاق الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء الذي أقر من قبل المفوضية الأوروبية في يونيو 2024.
و قد يتسبب هذا الامر بحالة من الانقسام الأوروبي قد تنعكس سلباً على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في دول الاتحاد. كما يؤثر ذلك على سوق العمل في بعض الدول الأوروبية التي تحتاج الى المهاجرين خصوصاً من اصحاب الخبرات و المهارات وسط ارتفاع نسبة الشيخوخة في المجتمعات الأوروبية.

ظروف دولية مختلفة

مما لا شك فيه أن فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية سيؤدي حتماً إلى إعادة ترتيب العلاقات عبر المحيط الأطلسي. و لن يكون الأمر سهلاً بالنسبة للأوروبيين، خصوصاً و ان فترة تولي ترامب في السابق لم تشهد حرباً روسية في أوكرانيا او اية توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط و لا حتى توتراً في العلاقات التجارية مع الصين.
وسيجد القادة الأوروبيون أنفسهم أمام خيارات محدودة تجعلهم مجبرين على اتخاذ مواقف أكثر مرونة في علاقاتهم السياسية و التجارية مع واشنطن. و لا ينطبق هذا الأمر على العلاقة الأوروبية الأمريكية فحسب و إنما على الشراكة مع آسيا و أفريقيا أيضاً. و يجب أن تكون هذه العلاقات مبنية على اسس من التكافؤ و العدالة للاستفادة من الفرص المتاحة في تلك الأسواق و لتعزيز الاقتصاد الأوروبي على المدى الطويل.
التعاليق: 0

لن يتم نشر بريدك الالكتروني, الحقول المشار اليها بـ * مطلوبة.