اقتصاد العالم في مفترق طرق…فهل ينجو من شبح الركود؟
تراجع النمو العالمي
ما لبث الاقتصاد العالمي أن تجاوز تحدي وباء فيروس كورونا حتى برزت أمامه تحديات جديدة و متسارعة. فأزمات الديون و ارتفاع معدلات التضخم و أسعار الفائدة بالإضافة إلى تراجع الأداء التجاري ضغطت بشكل كبير على نمو الاقتصاد العالمي و حجمت من الفرص التي كان المستثمرون حول العالم بانتظارها.
و زاد من تفاقم هذه التحديات حالة عدم الاستقرار و اللايقين بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة و التي أصبحت مصدر قلق حقيقي من تطورها إلى حرب واسعة النطاق في أكثر من مكان من العالم. و ينعكس ذلك على نمو الاقتصاد العالمي الذي يتوقع أن ينخفض من 3.8% خلال السنوات (2000-2019) إلى 3.1% خلال السنوات الخمس القادمة ، وهو أدنى مستوى له منذ عقود.
و رغم محاولات البنوك المركزية حول العالم في تعزيز الاستثمارات و دفع عجلة النمو من خلال الحديث عن خفض أسعار الفائدة إلا أن الاقتصاد العالمي سيشهد تباطؤًا للعام الثالث على التوالي، من 2.6% في العام الماضي إلى 2.4% هذا العام. فارتفاع تكاليف الاقتراض بالنسبة للدول النامية و خصوصاً ذات التصنيف الإئتماني الضعيف سيلقي بثقله على أداء هذه الاقتصادات.
و مع تراجع فرص الاستثمار في الدول النامية و ارتفاع مستويات الديون مع استمرار النزاعات المسلحة في مناطق استراتيجية مهمة فإن المخاوف من ارتفاع التكاليف و ارتفاع معدلات التضخم تشكل عامل قلق حقيقي.
و تعتبر قضايا الأمان و التغير المناخي بالإضافة إلى الذكاء الاصطناعي و التكنولوجيا من القضايا الملحة و التي تسعى كل من الحكومات و الشركات إلى استكشاف حاجاتها و إمكانياتها لخلق أسواق جديدة و فرص مستقبلية. و يمكن للحكومات أن توفر الكثير من الإمكانات المادية و الوقت من خلال رفع مستوى التعاون العالمي و تعزيز العدالة و التنوع في كافة النشاطات الاقتصادية.
تنافس أمريكي – صيني
و للتغلب على تحديات الفقر و ارتفاع الديون و تغيرات المناخ ، يتعين على الحكومات التحرك بشكل فوري لتعزيز الاستثمار و توجيهه بشكل فعال لتحقيق التحول نحو اقتصاد عالمي مستدام. و في هذا الإطار تبرز أهمية التعاون الدولي لإلغاء القيود على حركة رأس المال مع ضرورة تطوير السياسات المالية و ضبط النفقات الحكومية مع زيادة مساهمة القطاع الخاص تحديداً في الدول النامية.
و تزخر القارة الأفريقية بالعديد من الفرص الاستثمارية المهمة و التي تمكنها من لعب دور محوري هام في تحسين آفاق التعاون العالمي. لذا يتوجب على المجتمع الدولي أن يعمل على تعزيز التنوع و العدالة في كافة الأنشطة الاقتصادية و تحديداً في مجالات التجارة الدولية و الاستثمار.
و يمكن لأفريقيا أن تشكل حركة وصل مهمة بين أوروبا و آسيا لأنها سوق تجارية هامة و مصدرجوهري في الحصول على العديد من السلع الخام التي تحتاجها الأسواق الأخرى. و يبدو أن صراع النفوذ على أسواق أفريقيا قد بدأ منذ عقدين من الزمن حيث تتنافس الشركات الأمريكية و الصينية على الاستحواذ عليها.
و تعتبر كل من الصين و الولايات المتحدة محركان حيويان لاقتصاد العالم حيث تساهمان بنسبة كبيرة في النمو العالمي. رغم ذلك فإن كلا السوقين يواجهان تحديات عديدة تؤثر بشكل كبير على الركود العالمي. فالصين ما تزال في إطار إعادة هيكلة اقتصادها من اقتصاد معتمد على الصادرات إلى اقتصاد يركز على قطاع الخدمات و السوق المحلية حيث يتطلب ذلك رفع وتيرة الاستهلاك. إلا أن ذلك ليس بالأمر السهل وسط ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب إلى 21.3% ما يشير إلى صعوبات في سوق العمل و تراجع في الانفاق المحلي.
كما يعاني قطاعات العقارات في الصين من أزمة حادة، حيث تجاوز المعروض من الوحدات السكنية الطلب ، الأمر الذي يثير مخاوف بشأن ارتفاع مديونية شركات العقارات. فمنذ من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي بلغت قيمة السندات التي تخلف القطاع العقاري الصيني عن سدادها قرابة 125 مليار دولار الأمر الذي أثار مخاوف من تأثير ذلك على النظام المالي والاقتصاد العالمي حال انكشاف عدد من البنوك عليها.
أما في الولايات المتحدة فإن إدارة بايدن و رغم نجاحها في خفض التضخم إلا أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي ما يزال حذراً في خفض أسعار الفائدة و توقيت البدء في ذلك، خشية أن يؤدي التسرع في ذلك إلى زيادة النشاط الاقتصادي لمستويات تعيد التضخم إلى معدلاته الأولى.
التوترات الجيوسياسية تعرقل سلاسل الإمداد
و في إطار البحث عن بدائل لسلاسل الإمداد التقليدية بدأت العديد من الدول التفكير بجدية بالبحث عن موردين جدد أو طرق تجارية بديلة تستوجب تغيراً في السياسات و التوجهات الاقتصادية. فمع تركز نسبة كبير من سوق التصنيع العالمية في الصين على سبيل المثال ترتفع مخاطر سلاسل التوريد على الاقتصاد. و لذا زادت أهمية سلاسل الإمداد البديلة بعد الحرب الروسية الأوكرانية و التوترات في البحر الأحمر حيث تواجه اقتصادات العديد من الدول مخاطر حقيقية تتطلب استعداداً حقيقياً قد يكون مكلفاً على المدى القصير لكنه يضمن الاستدامة لاحقاً.
و قد ساهم هذا الأمر في التأثير سلباً على نمو التجارة الدولية فمع اتساع رقعة التحالفات العسكرية و تراجع الاتفاقات التجارية بين الدول فإن معدلات نمو التجارة العالمية ستشهد تباطؤاً ملحوظاً هذا العام عما كانت عليه قبل الجائحة.
التأثير على دول الخليج العربي
و يُظهر التأثير المتوقع للأوضاع الاقتصادية العالمية على دول الخليج العربي تأثيرًا كبيرًا على قطاعي النفط والغاز، اللذين يعتبران العمود الفقري لاقتصادات المنطقة حيث يؤثر تباطؤ النمو العالمي وتقلبات الأسواق بالإضافة لعرقلة سلاسل الإمداد بشكل مباشرعلى حجم التجارة والطلب على النفط والغاز.
و يواجه قطاع الطاقة العالمي تحديات كبيرة في جذب الاستثمارات الضرورية لتطوير وتحديث البنى التحتية ، خصوصاً مع تراجع أسعار النفط و تراجع الإيرادات النفطية، التي ضغطت على الميزانيات الحكومية و برامج الإنفاق.
لذا فإن الحاجة تتسارع يوماً بعد الآخر إلى تنويع الاقتصادات الخليجية وتطوير قطاعات أخرى كالاقتصاد الأخضر و الاقتصاد الدائري. كما يساهم الالتزام بتقليل الانبعاثات الكربونية في دعم الطاقة المتجددة و الاعتماد على الابتكار و التكنولوجيا لزيادة الكفاءة وتحسين الإنتاج بطرق أكثر استدامة.
و يساعد بعض الدول في منطقة الخليج العربي امتلاكها صناديق سيادية تجعلها أكثر مرونة في تجنب الآثار السلبية لتراجع الإيرادات النفطية. أما بالنسبة للعراق فإن اعتماد اقتصاده بنسبة تتجاوز الـ90% على إيرادات النفط يجعله من أكثر الدول في المنطقة عرضة لانخفاض أسعار الطاقة أو أية تقلبات في السوق العالمية.
مرتبط
مواضيع مرتبطة