لم يتوجب على العراق إيجاد منافذ جديدة لتصدير النفط؟
عرقلة سلاسل الإمداد العالمية
كلما طال أمد الحرب في غزة ازدادت مخاطر توسع دائرة الحرب. فالحدود بين إسرائيل و لبنان تشهد ضربات يومية تزداد وتيرتها و تتسع رقعتها أما القواعد الأمريكية في كل من العراق و سوريا فقد تعرضت للاستهداف مرات عديدة منذ أحداث السابع من أكتوبر.
كما برزت مخاطر تتعلق بطرق التجارة البحرية مع دخول اليمن في المواجهة حيث قرر الحوثيون استهداف أية سفن تجارية على علاقة بإسرائيل أو تتعامل مع موانئها.
و قد أدى هذا لتشكيل واشنطن تحالفاً عسكرياً بحرياً يقوم بتأمين خطوط الملاحة البحرية و صد أية هجمات تستهدف السفن التجارية بالإضافة لشن هجمات من قبل الولايات المتحدة و بريطانيا على قواعد للحوثيين في اليمن. لذا فقد دعت هيئة الناقلات إنترتانكو جميع السفن إلى ضرورة تجنب مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر لعدة أيام.
و مع تصاعد حدة الأزمات في المنطقة سواءً من ناحية اتساع دائرة الصراع أو عرقلة سلاسل الإمداد العالمية و الخطر الذي يهدد أمن الطاقة فإنه يتحتم على العراق التفكير بجدية لاستحداث طرق جديدة و أكثر أمناً لتصدير نفطه للعالم.
و قد زاد من هذه المخاوف استيلاء إيران مؤخراً على ناقلة نفط في خليج عمان كانت محملة بنفط عراقي و متوجهة إلى الموانىء التركية عبر قناة السويس و ذلك في تطور مهم يهدد الشريان الرئيسي لإمدادات النفط العالمية.
لكن اللافت في موضوع هذه الناقلة هو نقلها النفط العراقي إلى تركيا عبر مسار طويل و مكلف و غير آمن حالياً في الوقت الذي ما يزال أنبوب النفط العراقي التركي معطلاً منذ الـ 25 من آذار مارس 2023 و ذلك رغم تأكيد المسؤولين الأتراك على قرب عودة تلك الصادرات.
و قد تجاوزت خسارة العراق جراء هذا التوقف لغاية اليوم أكثر من تسعة مليارات دولار. كما تخسر تركيا أيضاً رسوم تصدير النفط العراقي عبر أراضيها لتضاف إليها اليوم تكاليف النفط المصدر عبر خليج عمان و البحر الأحمر.
و قد بلغت كمية الشحنة الاخيرة لناقلة النفط التي احتجزتها إيران حوالي 145 ألف طن من النفط العراقي أي ما يعادل صادرات نفط كردستان عبر الأنبوب العراقي التركي لستة أيام.
خيارات العراق المحدودة لتصدير النفط
و لا تبدو خيارات بغداد الحالية لتصدير النفط متعددة ، فالعراق يصدر نحو 3.4 مليون برميل من النفط يومياً ، 85 بالمائة منها يتم عبر البصرة في حين يصدر قرابة 15 بالمائة عبر إقليم كردستان إلى تركيا و منها للأسواق العالمية.
كما يمتلك العراق أنبوباً لتصدير النفط عبر ميناء ينبع السعودي على البحر الاحمر بطاقة تتجاوز 1.5 مليون برميل يومياً إلا أن المفاوضات مع الجانب السعودي لم تسفر عن نتائج معينة.
و في وقت سابق ذكرت مصادر عراقية رسمية أن العراق يدرس أيضاً إعادة تأهيل خط كركوك بانياس و ذلك في إطار البحث عن منافذ جديدة للتصدير.
لكن تطور الأحداث في كل هذه المناطق سواء أكان في البحر الأحمر و الخليج العربي أو البحر المتوسط بات أمراً مقلقاً لدولة كالعراق تعتمد في موازنتها على إيرادات تصدير النفط بأكثر من 90 بالمائة.
لذا يتعين على الحكومة العراقية البحث عن الطرق الأكثر أماناً و الأقل كلفة لتصدير النفط. و قد يبدو خيار تصدير النفط العراقي عبر الأراضي التركية الأنسب لقربه من الأسواق الأوروبية التي تحتاج إلى النفط و الغاز في ظل الحرب في أوكرانيا و امتناع اوروبا عن شراء النفط و الغاز من روسيا.
فخلال شهر يناير الحالي استبدلت بلغاريا التي كانت العام الماضي أكبر رابع مشتر للنفط الروسي المصدر بحراً ، شحنات النفط الروسية بأخرى من كازاخستان و تونس و العراق. و بحسب البيانات فقد اشترت بلغاريا هذا الشهر 76 ألف طن من نفط البصرة الخفيف.
و تعاني بعض الدول الأوروبية من اعتمادها على النفط ذو الخامات العالية الكبريت كنفط الأورال الروسي الذي بات الحصول عليه صعباً و مكلفاً في الاتحاد الأوروبي. كما أن عدم توفر نفط كردستان الذي لديه ذات المواصفات يزيد من صعوبة الأمر للمشترين الأوروبيين.
و يشير هذا بوضوح لأهمية عودة صادرات نفط كردستان للأسواق العالمية خصوصاً مع وجود إمكانية لزيادة الانتاج لقرابة المليون برميل يومياً. و قد يكون من المناسب أيضاً التفكير بتصدير كميات من نفط الوسط و الجنوب في العراق عبر إقليم كردستان و ذلك لاستيعاب الزيادة الكبيرة المتوقعة من تلك المناطق خلال السنوات الثلاث القادمة.
إلا أن هذا الأمر يصطدم بعدد من المعرقلات أولها ضرورة مد أنابيب تصل بين حقول العراق الوسطى و الجنوبية مع الموانيء التركية ما يعتبر أمراً مكلفاً و يحتاج لوقت و استثمارات كافية. أما العامل الآخر فيتعلق بموقف تركيا من هذه التوسعة و السماح لنفط العراق بالمرور عبر موانئها في ظل استمرار توقف صادرات نفط كردستان.
أما أنبوب النفط العراقي الذي يصل بين البصرة و ميناء العقبة على البحر الأحمر فهو لم ينجز بعد و ذلك رغم الاتفاقية التي وقعت بين العراق و الأردن في 9 نيسان أبريل 2013 . فالأنبوب الذي تصل سعته إلى مليون برميل يومياً قد تعرض لضغوط سياسية كبيرة و تهديد باستهدافه بعد شكوك من أنه سينقل النفط العراقي لإسرائيل.
هل يتأثر اقتصاد العراق بخروج القوات الأمريكية؟
و في ظل سعي العراق لزيادة انتاجه إلى قرابة 6 ملايين برميل يومياً في غضون السنوات الخمس القادمة فإن التفكير في توسعة منافذ التصدير و تنويعها تعتبر أمراً أساسياً لتحقيق هذا الهدف.
و لا يمتلك العراق قدرة كبيرة على تخزين النفط لفترات طويلة لذا فإن أية إغلاقات مستقبلية في مضيق هرمز أو باب المندب ستعني خسارة العراق ما لا يقل عن ربع مليار دولار يومياً.
و هذا سيكون له انعكاسات كبيرة على الحياة المعيشية للعراقيين حيث يستورد الاقتصاد العراقي العديد من السلع و المنتجات و يعتمد على ما يصدره من نفط للحصول على إيراداته مقومة بالدولار الأمريكي.
و في حال انقطاع الإيرادات فإن قيمة الدينار العراقي ستهوي بشكل كبير و سيؤدي ذلك لارتفاع كبير في الأسعار مع توقف شبه تام لحركة التجارة التي تعتمد على الاستيراد الخارجي.
و مع استمرار حدة التوتر في الشرق الأوسط فإن العراق لن يكون بعيداً عما يجري. فالمطالبات بإخراج قوات التحالف من العراق في هذا التوقيت ستفسر على أنها انتصار لطهران و حلفائها على واشنطن.
إلا أن حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ترى بأن خروج قوات التحالف سيؤدي لتخفيف التوتر في المنطقة. لذا فقد شكلت الحكومة العراقية لجنة ثنائية لتحديد ترتيبات إنهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق.
يأتي ذلك في ظل حاجة الاقتصاد العراقي لدعم كبير خصوصاً فيما يتعلق بالقطاع المصرفي. فقد ساهمت الخزانة الأمريكية في توسيع قاعدة ارتباط المصارف العراقية مع البنوك العالمية و قللت الإجراءات التي اتخذتها من حجم تهريب الدولار و التزوير في فواتير الاستيراد الأمر الذي سيحسن من صورة هذا القطاع في الاقتصاد العالمي.
كما تعمل العديد من الشركات الأمريكية في مشاريع حيوية مهمة كالطاقة و المياه و غيرها و قد ينعكس أي توتر أمني في العراق و المنطقة على تواجدها أو قد يؤخر من إنجازاتها.
و قد يكون عامل الأمن العنصر الأبرز في تحديد مصير الاقتصاد العراقي و تحديداً في مجال الطاقة. فالأمر لا يتعلق بتصدير النفط و الغاز و حسب ، و إنما في توفير الظروف المناسبة للشركات العاملة في هذا المجال لزيادة الانتاج و استثمار الغاز المصاحب أو الطاقة المتجددة.
الاستقرار السياسي و التوازن الإقليمي
كما يتطلب الأمر تحقيق الاستقرار السياسي و إعادة الثقة بمفهوم الدولة الاتحادية بعيداً عن افتعال الازمات. فقد وصف وزير خارجية العراق فؤاد حسين الهجمات التي تتعرض لها قواعد عسكرية للتحالف الدولي بالقرب من مطار أربيل و ما تعرض له مصيف صلاح الدين ، بأنه هجوم على الحكومة الاتحادية، لأن الأمن الاتحادي في البلاد لا يمكن تجزئته.
و لا بد ايضاً من الاهتمام بحل العديد من المشكلات بين بغداد و أربيل كالاتفاق على تواجد قوات التحالف و الموافقة على قانون النفط و الغاز بالإضافة لتفاصيل تتعلق بالشركات الأجنبية العاملة في الإقليم و تكاليف الانتاج و غيرها من القضايا التي لا علاقة لها بالسياسة بقدر أهميتها بالنسبة للاقتصاد.
فالعراق يحتاج إلى توفير الاستقرار الداخلي و االتوازن الإقليمي لتعزيز اقتصاده و تطوير فرص التنمية خصوصاً و أن المشاريع الكبيرة التي يعتزم العراق إنجازها كميناء الفاو و طريق التنمية و تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء و الطاقة تتطلب استثمارات كبيرة و تقنيات متطورة لن يتم توفيرها في ظل أجواء الحرب أو دخول العراق في لعبة الصراع مع طرف دون آخر.
مرتبط
مواضيع مرتبطة