العراق يوسع نطاق تجارته، فهل تتأثر إيران؟
الدينار و تجارة العراق الخارجية
منذ أن أعلنت الخزانة الأمريكية حظرها لعدد من المصارف العراقية من التعامل بالدولار و الاقتصاد العراقي يشهد حالة من الركود الملحوظ. فقيمة الدينار العراقي تراجعت لمستوى 1650 دينار لكل دولار في حين أن سعر بيعه الرسمي كان عند 1320 فقط.
لذا لجأ البنك المركزي العراقي إلى عدد من الخطوات التي حاول من خلالها السيطرة على السوق السوداء و منع المزيد من التدهور في قيمة الدينار. فقد تم تدقيق فواتير استيراد السلع من خلال منصة الامتثال التي أنشئت بالتعاون مع الخزانة الأمريكية كما تم زيادة عدد منافذ بيع الدولار النقدي للمواطنين لأغراض السفر و متابعة نشاط دور الصيرفة بالإضافة إلى تفعيل الدفع الإلكتروني في معظم الأسواق.
و قد شهد الدينار العراقي في الأسابيع الأخيرة تحسناً طفيفاً لكنه مشوب بالحذر ما يعكس حساسية السوق العراقية لمجريات الأحداث و القرارات محلياً و تأثر العراق بالحرب في غزة ، مع مخاوف من امتداد آثارها لتطال المنطقة برمتها.
و كانت الولايات المتحدة قد ضغطت بشكل كبير لمراقبة خروج الدولار من دائرة الاقتصاد العراقي بطرق غير شرعية لاشتباهها باستفادة إيران منه في تجنب العقوبات المفروضة عليها أو في تمويل بعض الجماعات المسلحة في العراق.
لذا ضغطت الخزانة الأمريكية في عدة مناسبات على ضرورة توسيع العراق لتجارته الخارجية و عدم الاعتماد على سوق بعينها كما يجري في حالة السلع الإيرانية. و تخشى الولايات المتحدة من أن يعمق ارتفاع التبادل التجاري بين العراق و إيران من حجم النفوذ الإيراني في العراق حيث تسعى طهران إلى مضاعفة حجم التجارة الحالية مع العراق لتصل إلى 20 مليار دولار.
و بحسب مهدي ضيغمي رئيس منظمة التنمية التجارية الإيرانية فإن ذلك سيكون عبر زيادة مساهمة إيران في المشاريع الصناعية العراقية ليرتفع الرقم إلى 40 مليار دولار في العام 2035.
لذا تعمل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على تفكيك الحلقات التي يعتمد فيها العراق على إيران انطلاقاً من قطاع الطاقة و ذلك من خلال استثمار العراق ما لديه من احتياطيات كبيرة في مجال الغاز الطبيعي و التي تصل إلى 133 ترليون قدم مكعب.
و فيما لو تحقق ذلك فإن العراق سيكون قادراً تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة في غضون السنوات الخمس القادمة موفراً ما يقارب الثمانية مليارات دولار سنوياً هي قيمة الغاز المستورد من إيران لتوليد الكهرباء.
و تدرك واشنطن جيداً أهمية الاستقرار الاقتصادي في العراق للحفاظ على الاستقرار السياسي، لذا تسعى جاهدة إلى توسيع قاعدة الشراكة و التعاون التجاري و الاقتصادي بين العراق و دول المنطقة و العالم.
و في هذا المجال يخوض البنك المركزي العراقي منذ أسابيع محادثات مع عدد من البنوك المركزية في المنطقة و العالم للتباحث في مسألة توسيع سلة العملات التي يتعامل بها العراق في تجارته الخارجية.
و تتم هذه المباحثات بإشراف مباشر من قبل الخزانة الأمريكية حيث تم التفاهم مع البنوك المركزية في كل من إيران و تركيا و الإمارات و الصين و الهند و الاتحاد الأوروبي حول العملات التي سيتم استخدامها في تجارة العراق الخارجية.
كما عززت واشنطن أرصدة عشرة مصارف عراقية بالدولار و ذلك بالتعاون مع كل من (جي بي مورغان) و (سيتي بنك) في محاولة لتوسيع نطاق استخدام الدولار في التجارة الخارجية دون تسربه خارج دائرة الاقتصاد العراقي.
ماذا يعني توسيع العراق لتجارته بالنسبة إيران؟
و تحتل الصين صدارة التبادل التجاري بين العراق و دول العالم حيث ارتفعت الارقام لتصل إلى 53.37 مليار دولار يقوم معظمها على أساس الصادرات النفطية، في حين بلغ التبادل التجاري مع الهند قرابة 37 مليار دولار سنوياً خصوصاً مع ارتفاع واردات دلهي من النفط العراقي.
أما التبادل بين العراق و الاتحاد الأوروبي فقد ارتفع لمستوى 24 مليار يورو العام الماضي، في وقت يتوقع فيه أن ترتفع الأرقام إلى الضعف خصوصاً مع استعداد العراق و توجهه لتصدير الغاز الطبيعي كجزء من بدائل أوروبا عن واردات الغاز الروسي.
كما انضم العراق مؤخراً إلى بنك التنمية و الإعمار الأوروبي حيث تسمح هذه العضوية للعراق بتطوير قطاعه المصرفي و تهيئة المناخ المناسب للاستثمار.
و مع توسيع نطاق التجارة بين العراق و دول العالم يزداد ارتباط المصالح الدولية بالسوق العراقية بما يضمن استقرارها و ضمان أمن الطاقة العالمي.
و تلعب الجغرافية دوراً مهماً في العلاقة التجارية بين العراق و إيران. فالحدود الطويلة بين البلدين و كثرة المنافذ التجارية و رخص السلع الإيرانية مقارنة بالمنتجات العراقية تدفع باتجاه زيادة الصادرات الإيرانية إلى العراق. فالسلع العراقية المصدرة إلى إيران لا تعادل عشر السلع الإيرانية المصدرة إلى العراق ما يرجح كفة الميزان التجاري لصالح طهران.
و يؤدي ذلك إلى زيادة الكتلة النقدية من الدينار العراقي في السوق الإيرانية حيث يتم استخدامها لاحقاً في شراء الدولار و سحبه من السوق العراقية.
و يأتي إجراء تنويع التجارة باستخدام سلة العملات للتخفيف من هذا الأثر و لضمان تدفق السلع المطلوبة للسوق العراقية دون ارتفاع التضخم أو التسبب في أزمات الاحتكار نتيجة نقص السلع أو تأخر وصولها.
و من شأن توسيع نطاق التجارة بين العراق و دول العالم أن يقلل من حجم التجارة مع إيران على المدى المتوسط و الطويل بنسبة 30% ليتراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 17 مليار دولار بدلاً من الـ 20 مليار دولار المتوقعة في العقد القادم.
و يتوقع أن تسيطر كل من الصين و الهند و تركيا على حجم التبادل التجاري مع العراق و ذلك على حساب التجارة مع إيران. فطريق التنمية الذي يعتزم العراق البدء فيه سيزيد من حجم التجارية بين أوروبا و آسيا عبر تركيا. كما أنه سيزيد من وصول السلع إلى السوق العراقية ما يقلل من كلفتها و زمن وصولها و يعزز المنافسة لصالح الستهلك العراقي.
إلا أن ذلك سينعكس سلباً على الانتاج المحلي في العراق الذي إن لم يكن مستعداً للمنافسة فإنه سيكون ضحية الإغراق السلعي للمنتجات و السع المستوردة. لذا تعمل حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على تنفيذ خطة لدعم المزارعين و المشاريع المتوسطة و الصغيرة و إنشاء المدن الصناعية بالإضافة لتطوير البنى التحتية للنقل و الطاقة في مسعى لزيادة الانتاج المحلي و تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.
و قد يفسر هذا الأمر الاستراتيجية الجديدة لطهران في الاندماج في السوق العراقية و توسيع مشاريعها الصناعية المشتركة خاصة في مجال الطاقة. فطهران تدرك جيداً حجم الفرص الاستثمارية المهمة في العراق و لا ترغب في ان يسحب البساط من تحتها هناك.
المهمة الصعبة
أما الإدارة الأمريكية فإنها ترغب في تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة و السيطرة على ردود أفعال طهران في المنطقة. و في إطار هذه المعادلة سيكون على حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني البحث عن نقطة التوازن و المحافظة عليها في علاقاته الدولية و الإقليمية.
و يعد القطاع المصرفي العراقي أحد أهم ركائز هذه السياسة لأنه يؤسس لعلاقات تجارية و شراكات اقتصادية مع الدول. كما يعد إقرار قانون للنفط و الغاز أحد أهم عوامل جذب الاستثمارات في هذا القطاع الأساسي من الاقتصاد العراقي.
و يحتاج ذلك للعمل بجد على إعادة الثقة بين بغداد و اربيل من جهة و توفير قاعدة بيانات مشتركة و شفافة من جهة أخرى و بما ينسجم مع الدستور العراقي.
إن تطوير علاقات العراق التجارية مع دول العالم سيكون نقطة التحول الأساسية في سياسات العراق الخارجية و ضمان قدرته على إدارة ملفاته المحلية وفق المصلحة الوطنية. لذا لن يكون هذا الأمر بالسهل خصوصاً و أنه يحتاج إلى تعاون القطاع الخاص و مساهمته في تطوير هذه العلاقة، بالإضافة إلى تنشيط الدبلوماسية العراقية باتجاه المزيد من الاتفاقيات التجارية.
مرتبط
مواضيع مرتبطة