هل سمحت الولايات المتحدة بزيادة نفوذ الشركات الروسية و الصينية في العراق؟
تركيز روسي صيني على العراق
يبدو أن الشركات الروسية تعمل على مضاعفة استثماراتها في العراق و تحديداً في مجالات الطاقة. فقد ارتفعت استثمارات الشركات الروسية في العراق من 13 مليار دولار في العام 2021 إلى 19 مليار دولار هذا العام ، 74 بالمائة منها في مجال الطاقة.
و ارتفع عدد الشركات الروسية العاملة في البلاد إلى أكثر من خمسين شركة يعمل العديد منها في مجال النفط و الغاز كشركة لوك أويل العاملة في حقل غرب القرنة 2 في البصرة و أريدو في الناصرية و شركة غازبروم نفط العاملة في حقل بدرة في واسط بالإضافة لمشاريعها في إقليم كردستان.
أما الصين و التي يعتبر العراق ثالث أكبر مصدر للنفط لها ، فهي تدعم استثماراتها فيه مركزة على قطاعي النفط و الغاز. كما تهتم الشركات الصينية بقطاعات البنى التحتية و الكهرباء و التمويل لذا فقد ارتفعت الاستثمارات الصينية في العراق من 20 مليار دولار في 2019 إلى أكثر من 30 مليار دولار العام الماضي 2022. و تمثل استثمارات الصين في العراق 14% من حجم استثماراتها في المنطقة العربية حيث يحتل العراق المرتبة الثالثة بعد السعودية و الإمارات.
كما استغلت الصين في وقت سابق تردد الشركات الغربية بالدخول بزخم قوي إلى قطاع الطاقة في العراق فعملت على تركيز استثماراتها في حقول مجنون و الحلفاية و المنصورية. و أسفرت جولة التراخيص الخامسة التي أطلقت مؤخراً عن فوز عدد من الشركات الصينية بتطوير حقول نفط خانة في ديالى و الحويزة في ميسان و السندباد في البصرة.
الاستراتيجية الصينية في العراق
كما تعمل الصين على تطوير قدرات العراق للاستفادة من الغاز المصاحب حيث تعمل شركاتها على إكمال الأعمال الميكانيكية لإنجاز أكبر محطة معالجة للغاز المصاحب في الشرق الأوسط و مقرها في حقل الحلفاية في محافظة ميسان.
من خلال ذلك تتمكن الصين من تقليل استهلاك العراق لنفطه و غازه محلياً مقابل أن يتم تصدير تلك الكميات للسوق الصينية. و تتحدث بعض التقارير عن موافقة عراقية على زيادة الصادرات النفطية للصين بنسبة 50 بالمائة ما يرفع من ارقام الصادرات من 100 ألف برميل يومياً إلى 150 ألف برميل يومياً.
السيطرة على الشرق الأوسط
و في ظل حاجة أوروبا لمصادر الطاقة خصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا و انقطاع إمدادات الغاز الروسية عن الاقتصاد الأوروبي بدأت كل من روسيا و الصين توسيع نفوذيهما في الشرق الأوسط بشكل عام مع الاهتمام بالعراق بشكل خاص.
و رغم امتلاك روسيا لاحتياطيات ضخمة من النفط و الغاز إلا إنها تحاول و بالتعاون مع الصين توسيع الضغط على الولايات المتحدة من خلال الاستحواذ على قطاع الطاقة في العراق مستفيدة من الهجمات الصاروخية التي تتعرض لها بعض القواعد الأمريكية في العراق بين الحين و الآخر.
كما تسعى كل من روسيا و الصين لسحب البساط في العراق من الولايات المتحدة و ذلك بالاستفادة من التقارب السعودي الإيراني بوساطة صينية و العلاقة الجيدة بين روسيا و السعودية و التي ساهمت بالحفاظ على اتفاق أوبك+ و الالتزام بخفض الانتاج الذي أبدت إدارة الرئيس بايدن انزعاجها من استمراره.
توظيف أمريكي لصراع النفوذ
و في محاولة منها لتقليل المخاطر تحاول واشنطن أن تمنح مهمة زيادة انتاج النفط العراقي الذي تعتبر الولايات المتحدة أحد أكبر مشتريه لكل من روسيا و الصين دون أن تتحمل الكلفة العالية حال تعرضها لأية توترات أمنية وبما يتضمن استمرار تدفقه دون أية انقطاعات ترفع من أسعاره في الأسواق العالمية.
و تشير الأرقام إلى أن ارتفاع صادرات العراق النفطية إلى الولايات المتحدة قد تزامن مع ارتفاع الاستثمارات الروسية و الصينية في قطاع الطاقة في العراق.
فقد ارتفع انتاج حقل غرب القرنة 2 الذي تعمل فيه لوك أويل الروسية إلى 480 ألف برميل يومياً بزيادة مقدارها 80 ألف برميل يومياً في منتصف هذا العام مع خطط لزيادته إلى 800 ألف برميل يومياً و ذلك بعد توقيع اتفاق تكميلي بين الشركة الروسية و “نفط البصرة” لتمديد عقد الخدمة عشرة سنوات حتى عام 2045.
بالمقابل من ذلك ارتفعت صادرات العراق من النفط إلى السوق الأمريكية بشكل مضطرد. ففي العام 2021 بلغ معدل تصدير النفط العراقي للولايات المتحدة 157 ألف برميل يومياً لكنه ارتفع في العام 2022 ليصل إلى مستوى يتراوح عند 311 ألف برميل يومياً ليرتفع لاحقاً إلى معدل يتجاوز الـ 30% ليصل في نهاية هذا العام لمستويات الـ 400 ألف برميل يومياً.
ارتفاع ملحوظ في الاستثمارات الأمريكية في العراق
و رغم استفادة الاقتصاد الأمريكي من زيادة انتاج النفط العراقي إلا أن واشنطن لاحظت خلال العامين الماضيين تركيزاً غير مسبوق من قبل كل من موسكو و بكين على الاستثمار في مجال الطاقة ، الأمر الذي عزز المخاوف من توسع نفوذ كل من روسيا و الصين سياسياً في العراق و المنطقة على حساب النفوذ الأمريكي.
لذا تحاول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اليوم أن تعزز من استقلال العراق في مجال الطاقة و ذلك من خلال زيادة عدد الشركات الأمريكية المستثمرة فيه.
ففي شباط فبراير من هذا العام أبرم العراق مذكرة تفاهم مع شركة جنرال إلكتريك لتطوير قطاع الكهرباء و استغلال الغاز المصاحب بالإضافة لدعم تحول العراق نحو الطاقة النظيفة. و منذ ذلك الحين شهد قطاع الطاقة في العراق زيادة ملحوظة في عدد الشركات الأمريكية التي يتولى قسم كبير منها زيادة انتاج الكهرباء و تحسين شبكات النقل و التوزيع. كما أبرمت وزارة النفط العراقية عقداً مع شركة بيكر هيوز الأمريكية لاستغلال الغاز المصاحب للنفط من حقلي الغراف و الناصرية جنوبي البلاد ما سيوفر 400 ميغاواط من الطاقة بالإضافة لدعم تسريع الربط الكهربائي بين العراق و دول الخليج العربي و كل من الأردن و مصر في وقت لاحق.
كما دعمت واشنطن زيادة استثمارات الشركات الغربية في قطاع الطاقة في العراق و خاصة في مجال استغلال الغاز حيث دعمت اتفاق العراق مع شركة توتال إنرجيز بالتعاون مع قطر للطاقة بقيمة 27 مليار دولار و تشجع العراق على استغلال ما تبقى من حقول الغاز في البلاد كحقلي عكاز و المنصورية.
احتواء كل من إيران و فنزويلا
و في موقف لافت بدأت الإدارة الأمريكية باستخدام أسلوب جديد مع إيران الحليف لكل من روسيا و الصين يقوم على استمالة طهران و تخفيض حدة التوتر معها. لذا فقد تغاضت واشنطن عن إبرام السوداني عقداً بـ 4 مليارات دولار للخدمات الهندسية خلال أول زيارة رسمية قام بها بعد توليه الحقيبة الوزارية. كما فتحت واشنطن عدداً من خطوط الاتصال مع طهران أسفرت مؤخراً عن إطلاق جزء من أموال إيران المجمدة و التي بلغت قيمتها 6 مليار دولار مقابل إطلاق سراح عدد من السجناء لأمريكيين لديها.
كما تتساهل الإدارة الأمريكية مع التقارير التي تتحدث عن بيع إيران نفطها في الأسواق العالمية رغم العقوبات المفروضة عليها. و لم يتوقف الأمر عند طهران و حسب فقد كان لفزويلا نصيب من الاستراتيجية الأمريكية الجديدة. فقد خففت واشنطن من العقوبات المفروضة على كاراكاس بعد اتفاق بين الحكومة و المعارضة على إجراء انتخابات في العام القادم 2024. كما أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية ترخيصًا لمدة ستة أشهر يسمح بإجراء معاملات تتعلق بقطاع النفط والغاز في فنزويلا مع السماح بتداول بعض السندات السيادية.
و يعتبر هذا تطوراً مهماً في موقف الإدارة الأمريكية التي تحاول أن تحتوي كل من إيران و فنزويلا النفطيتين و تستخدمهما في مواجهة الأوراق التي تمتلكها كل من روسيا و الصين. و بهذا تكون واشنطن قد تمكنت من إدارة الملفات المتناقضة و وجهتها لصالح ضمان استمرار إمدادات الطاقة مع وضع العراقيل أمام التوسع الروسي الصيني في الشرق الأوسط.
مرتبط
مواضيع مرتبطة