هل يؤدي تهريب الدولار لانهيار الثقة بمصارف العراق؟
يبدو أن كل المحاولات التي يقوم بها البنك المركزي العراق للحد من ارتفاع سعر الدولار أمام الدينار باءت بالفشل. فقد ارتفع سعر الصرف اليوم في السوق إلى مستويات تجاوز الـ 1500 دينار لكل دولار. فعلميات تهريب الدولار ما تزال مستمرة ما يفاقم من معاناة العراقيين و يرفع من أسعار السلع. كما يعاني بعض التجار من شحة في الحصول على الدولار لشراء ما يحتاجونه من بضائع أو لسداد ما عليهم من مستحقات.
و بدلاً من أن يكون النظام المصرفي في العراق مساهماً في تطوير الاقتصاد العراقي أصبح عائقاً كبيراً أمام النمو أو جذب الاستثمارات فضلاً عن كونه أصبح رديفاً أساسياً لشبكات تهريب و غسيل الأموال. فهناك عدد كبير من المصارف التي تعود لشخصيات مقربة من سياسيين و أحزاب و ميليشيات مسلحة تساهم بشكل كبير بتهريب الدولار و تمويل عمليات التجارة الخارجية مع دول الجوار مقابل الحصول على عمولات و دعم سياسي.
و قد بدا هذا واضحاً من خلال الدور الضعيف للقطاع المصرفي الخاص و اقتصار عمله في معظم الأحيان على التحويلات المالية حتى أن نسبة الوظائف المالية و المنتجات البكية التي يولدها هذا القطاع لا تصل إلى المستوى المنصوص عليه في قانون النصارف العراقية ذاته.
نحو 400 مليار دولار خسائر تهريب الدولار
و على مدى عقدين من الزمن كان الدور الضعيف لبعض هذه المصارف مساهماً في خروج الدولار من دائرة الاقتصاد العراقي كون أن القسم الأكبر من فواتير استيراد السلع كانت مزورة أو مبالغ في أرقامها و ذلك لتعظيم الإيرادات المالية لجهات التي تقف خلفها. حتى أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني نفسه كان قد ذكر في لقاء متلفز أجرته معه قناة العراقية الإخبارية الرسمية قبل خمسة أشهر أن حجم الأرقام التي تصدر من نافذة بيع العملة مقابل فواتير الاستيراد مبالغ فيها مبيناً أن حاجة السوق المحلية قد لا تتجاوز الـ 30 مليون دولار يومياً من السلع في حين أن ما يباع من دولار هو بقيمة 300 مليون دولار. و ذكر السوداني أن معظم الفواتير في نافذة بيع العملة هي فواتير مزورة مشيراً إلى أن إحدى تلك الفواتير كانت تخص استيراد كميات من الحديد تغطي كامل الأراضي العراقية الأمر الذي اعتبره مبالغاً فيه.
و يقدر حجم ما هرب من العراق بموجب تلك الفواتير خلال عقدين من الزمن بـما لا يقل عن 400 مليار دولار ما يشكل ضربة كبيرة للاقتصاد الوطني. و نظراً لحجم التجارة الكبير مع كل من إيران و تركيا و سوريا فإن قسماً كبيراً من هذه الأموال ذهب إلى اقتصاداتها دون أن يعود بالنفع على الاقتصاد العراقي. و لا يستبعد أن تؤدي استمرار عمليات تهريب الدولار بحجة الاستيراد إلى عزل و حظر المزيد من المصارف العراقية كون أن بعضاً منها يساهم في خرق العقوبات الدولية المفروضة على كل من إيران و سوريا. يشار إلى أن قرارات الخزانة الأمريكية الأخيرة بفرض حظر على عدد من المصارف العراقية و إلزام ما تبقى بالامتثال لمنصة مراقبة حركة الاموال الإلكترونية قد لا تكون إلا بداية لخطوات أشد و أعمق و أكثر إيلاماً.
تهديد للفرص المستقبلية
و يراقب مكتب الأصول الخارجية في الخزانة الامريكية عن كثب حركة الأموال من و إلى العراق و يرصد وجهاتها و مبررات تحويلها لذا فإن اتساع نطاق الحظر على المزيد من المصارف العراقية أمر ممكن و قد يلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد العراقي و سمعته في المحافل الدولية، خاصة و أن حكومة السوداني تسعى لإنشاء مشاريع عملاقة في مجال البنى التحتية و الطاقة ما تستوجب جذب الاستثمارات و زيادة الثقة في الاقتصاد العراقي و مؤسساته المالية.
و في خضم الرغبة بالتوسع في الإنفاق على المشاريع التنموية و الانتاجية فيجب أن يكون القطاع المصرفي العراقي مهيئاً بشكل يتناسب مع الفرص التي يمكن أن يحققها. لكن الواقع المزري للمصارف العراقية الخاصة و افتقادها إلى الخبرة حولها إلى مجرد مؤسسات لتحويل الأموال و التربح على حساب الاقتصاد العراقي.
مخاطر حصر التجارة مع دول الجوار فقط
و يهدد هذا الامر بانهيار الثقة بالقطاع المصرفي في العراق خاصة مع استمرار تراجع الدينار العراقي أمام الدولار إلى مستويات تتجاوز الـ 1500 دينار لكل دولار. و رغم ذلك إلا أن حجم التجارة مع الدول المجاورة للعراق كتركيا و إيران و سوريا لم يتراجع حتى أن البنك المركزي العراقي ذاته أوضح أن أحد أسباب ارتفاع الدولار هو تدقيق الخزانة الأمريكية لكل التحويلات و المعاملات المالية مع تلك الدول ما يؤشر إلى ضرورة تنويع علاقات العراق التجارية مع مختلف دول العالم.
فاعتماد العراق على دول بعينها في تجارته المحلية يضعف الاقتصاد العراقي خاصة مع ضعف الانتاج المحلي و عدم وجود نظام مصرفي كفوء و فعال يساهم في خلق اسواق جديدة تساهم في تنويع الاقتصاد الوطني و تحميه من الأزمات.
انعدام الثقة أضعف الإجراءات المتخذة
و في محاولة منه للسيطرة على تهريب الدولار أصدر البنك المركزي جملة من الإجراءات التي لم يكن لها أثر في رفع قيمة الدينار أو الحد من الطلب الكبير على الدولار. فالفرق بين سعر الصرف الرسمي و البالغ 1320 دينار لكل دولار و بين ما يباع في السوق يشجع شبكات تهريب الدولار على زيادة نشاطها لتحقيق الأرباح هذا بالإضافة لانعكاس هذا الأمر على الحياة اليومية للمواطن العراقي.
كما حاول البنك المركزي العراقي السيطرة على كمية النقد في البلاد للحد من تهريب الأموال لكنه يواجه صعوبات حقيقية في هذا المجال. فرغم قرار الحكومة العراقية بإلزام جميع الدوائر الحكومية وغير الحكومية التي يتم فيها تحصيل المبالغ، بفتح حسابات مصرفية و العمل على تفعيل نظام الدفع الالكتروني، اعتباراً من الأول من حزيران يونيو هذا العام إلا أن 92% من مجموع ما أصدره البنك المركزي من النقد و البالغة قرابة 88 ترليون دينار ما يزال خارج النظام المصرفي.
و تنعدم ثقة العراقيين بالقطاع المصرفي لدرجة كبيرة خاصة و أنهم يخشون أن يتكرر مشهد شركات الدفع الإلكتروني التي تلاعبت برواتب المتقاعدين و أصحاب الرعاية الاجتماعية. لذلك فإن القسم الأعظم من البطاقات المصرفية و التي يتجاوز عددها الـ 15 مليون بطاقة لا تستخدم في عمليات الدفع و إنما فقط لاستلام الرواتب حيث يتصدر الدفع النقدي المشهد.
لذا فإنه من الضرورة بمكان أن يتم إبعاد القطاع المصرفي العراقي عن الملفات السياسية و أن يكون هناك تركيز كبيرعلى بناء قاعدة متينة لتمويل مشاريع التنمية و التخفيف من معدلات الفقر في البلاد. هذا بالإضافة لضرورة دعم المصارف لشركات القطاع الخاص و في مقدمتها الصغيرة و المتوسطة كونها تساهم في خفض البطالة و تخلق فرصاً استثمارية تسرع من إنجاز المشاريع و يكون لها دور في خلق أسواق جديدة في المستقبل.
مرتبط
مواضيع مرتبطة